على الرغم من كون الإنسان فعّالا فإنه كائن حي بالغ التعقيد لا يمكن حصر ردود أفعاله بشكلٍ دقيق، من هنا ازداد اهتمام الباحثين في تقصي تفاعل وسلوك الإنسان في كل بقاع الأرض لما له من أهمية بالغة وخصصوا علما كاملا يهتم بحياته وتصرفاته وكل ما يتعلق به سُمّي العلوم الإنسانية، ظهرت بعدها عديد من أنواع البحوث الإنسانية تبعاً لآلية القيام بها، فمنها بحوث إنسانية نظرية يضع فيها الباحث فرضاً مستوحى من قراءاته السابقة في موضوع ما، ويحاول أن يدلل على صدقه بإبداء الآراء المؤيدة، ودحض بعض الآراء المعارضة، وإذا تأكد من ذلك توصل الباحث إلى صدق فرضه، ومن ثم يحل أشكالاً أو يقف على أسباب مشكلة ما أو يتوصل إلى رأي مبتكر أصيل لم يسبقه إليه أحد، ومنها أيضا بحوث إنسانية ميدانية يقوم الباحث فيها بوضع فرض مستوحى من قراءاته السابقة. أو من ملاحظاته للمجتمع، ويقوم بالتأكد من صحته بواسطة النزول إلى الميدان، أو المجتمع، أو الجماعة. ويحاول أن يلاحظ الظاهرة كمثال البحث ويجمع البيانات عنها بالملاحظة المباشرة أو غير المباشرة والمقابلة الشخصية أو بتوزيع قوائم الأسئلة أو الاستبيانات التي يجاب عنها في حضوره أو التي تملأ وتجمع باليد أو بعد إرسالها بالبريد ثم يقوم الباحث بتحليل البيانات إحصائياً ليرى مدى الارتباط بين الظاهرة وما يقترحه من أسباب لها، فإن كان الارتباط قوياً وجوهرياً أمكن أن يقرر صحة الفرض، وإن كان غير ذلك يسقط فرضه وعليه حينئذ أن يبحث عن فرض آخر. كما ظهرت البحوث الإنسانية التجريبية التي يقوم بها الباحث بتصميم تجارب لقياس بعض العوامل. في مقالنا هذا نسلط الضوء على أهمية بيانات منصات التواصل الرقمي في خدمة الأبحاث الإنسانية كونها تتيح بيانات ضخمة تشكل فرصًا للباحثين لتحديد أنماط واتجاهات الأنشطة البشرية وبخاصة مع انتشار منصات التوصل الاجتماعي التي باتت تمثل اتجاهًا ثوريًا جديدًا ومؤثراً وأصبحت جزءًا من حياة الناس لا يمكن الاستغناء عنه وبالتالي أصبح تحليل البيانات التي ينشئها المستخدمون من خلال تفاعلهم مع الشبكات الاجتماعية موضوعًا حديثًا للغاية لعديد من مجالات البحوث الإنسانية، وفي هذا السياق تعد تقنيات التنقيب عن النص وتحليل المشاعر أدوات مهمة جدًا للباحثين في تحليل البيانات المختلفة وبرزت أهمية تحليل هذه البيانات في البحوث الانسانية في العديد من المجالات أهمها مقارنة الاختلافات بين الثقافات ودراسة العواطف وتقييم عمق العلاقات الشخصية واختبار الصلة بين التقارب عبر الإنترنت والتقارب في العالم الحقيقي. بالرغم من كل الميزات التي وفرتها منصات التواصل الرقمي في الوصول لبيانات المستخدمين وآرائهم وتفاعلاتهم كانت الأبحاث التي تستخدم البيانات الرقمية عرضة للتأثر في تنفيذها حيث ظهرت العديد من القضايا المهمة المتعلقة بالمنهجية التي ينبغي معالجتها في إجراء الأبحاث القائمة على البيانات الرقمية منها: 1. السكان والعينة: ظهرت قضية العينة والسكان في الأبحاث الإنسانية القائمة على البيانات الرقمية لأن العدد الدقيق لمجموعات المنشورات والمحادثات المتعلقة بقضايا معينة في مجال الإنترنت يمكن أن يكون كبيرًا جدًا بشكل عام وبالتالي كان من الصعب التنبؤ بالعدد الدقيق وبالتالي أصبحت التعميمات المبررة لنتائج الدراسة القائمة على قواعد الإحصاء والدراسة الاجتماعية مشكوكًا فيها. 2. قضية أخلاقية: هناك عامل آخر يمكن أن يسبب مشكلة خطيرة في إجراء دراسة للبيانات الرقمية وهو العامل الأخلاقي حيث يتم استخدام البيانات العامة وشبه العامة ولم يكن هناك أي إجراء قياسي أو معيار أخلاقي لاستخدام البيانات في سياق الأبحاث الإنسانية.