كنت مسترخياً أراجع أوراقي القديمة، عندما أرسل لي ابن العم العميد مهندس محمد بن معلوي، خبر وفاة الشيخ الصديق عبدالله بن سعيد أبو ملحة، فأصابني الذهول لأنني كنت قد اتصلت قبل أيام بابنه عبدالسلام الذي طمأنني بأن والده بخير، وكنت أخطط لزيارته في الرياض بعد أن تحسن وضعه الصحي ولكن القدر كان أسرع. لقد كان الشيخ الفاضل عبدالله أبو ملحة وجها وواجهة جنوبية أصيلة ومن الرموز الكبيرة في منطقة عسير بل في بلادنا السعودية الغالية. وكان في حياته - رحمه الله - من رجال الدولة المخلصين، وكان يتمتع بعلاقات اجتماعية وسياسية قوية ومتينة مع مختلف أطياف وشرائح المجتمع السعودي العظيم. كانت ولادة الشيخ عبدالله أبو ملحة عام (1363ه) وحصل على شهادة البكالوريوس في التجارة محاسبة وإدارة أعمال من جامعة الملك سعود بالرياض. عمل - رحمه الله - رئيساً لمجلس إدارة الغرفة التجارية والصناعية بأبها وعمل أيضا رئيساً لمجلس إدارة الغرف السعودية. كان- رحمه الله - عضواً فعالاً في مجلس الشورى السعودي ومن الأعضاء المميزين. كما ترأس عدداً من اللجان على المستوى المحلي والدولي. وكان كذلك عضوا مؤسسا في مؤسسة عسير للصحافة والنشر «صحيفة الوطن». وهو عضو بمؤسسة الفكر العربي. ومن أعماله الخيرية والاجتماعية أنه مؤسس ورئيس جمعية رعاية المقابر «كرامة». ولقد كان رحمه الله يتميز بحب الوطن والدفاع عنه، وولاؤه لقيادة الوطن ملوكاً وأمراء ثابت ومتجذر مثل أسلافه وإخوانه وأبناء عمومته وأبناؤهم من أسرة آل أبو ملحة. عَرَفت الشيخ عبدالله كما عرفه أبناء الوطن متميزاً بحدة الذكاء والملاحظة الدقيقة والتواضع والجود والكرم والشهامة وحب الخير والفزعة لكل من طلب منه رأياً أو مشورة أو مساعدة في أي شأن من الشؤون. وقد عرفه ملوك وأمراء بلادنا ومحبوه بالصدق والأمانة والإخلاص. لقد كان- رحمه الله- مؤثراً في محيطه الأسري والقبلي وفي منطقته، وكان يمثل بصدق ذلك الجيل الذهبي الذي حافظ على دعائم الموروث الحضاري لبلادنا بفروعه المختلفة والمتعددة. كان ذا سمو في أخلاقه وتعامله مع الآخرين، حتى أن كل من يقابله لأول مرة يظهر بانطباع بأنه يعرفه منذ زمن. كان الشيخ عبدالله بن سعيد أبو ملحة صاحب ذاكرة قوية وتاريخية، لديه القدرة على سرد الأحداث التي عاصرها أو كان جزءاً منها أو التي قرأ عنها، فهو ذو مخزون من الثقافة العالية والمتميزة في مختلف المجالات. ومن ميزاته كذلك شموخه في الظروف الصعبة على كل المستويات ووفاؤه لأصدقائه ومعارفه. وعندما زرته في الرياض في بداية مرضه قبل أشهر وجدت في مجلسه كوكبة من أصدقائه من رجال الدولة والزملاء والإعلاميين، وكلهم مسرورون للحديث معه عن الذكريات الجميلة المشتركة بينهم. يتميز الشيخ عبدالله أبو ملحة بالوجه البشوش والابتسامة الدائمة التي لا تفارق محياه وخاصة أثناء الحديث.. وكان رجلاً قيادياً ذا هيبة محببة يستطيع أن يكسب من يتحدث معه دون عناء لصفاته الأصيلة وتواضعه وسلامة طرحه لأي موضوع بحكمة وخبرة ومعرفة واتزان. إن المتابع لحياة الشيخ عبدالله وسيرته الذاتيه وصفاته وأفضاله يدرك أنه لم يخرج عن تلك السمات التي تميزت بها أسرة آل أبو ملحة كافة، هذه الأسرة التي قادها في زمن الملك عبدالعزيز، الشيخ عبدالوهاب أبو ملحة الذي كان أحد رجال الملك عبدالعزيز المقربين والمخلصين ومن الدعامات الكبيرة المساندة للزعيم والقائد المؤسس في إرساء دعائم تأسيس المملكة العربية السعودية، وخاصة في الجنوب، ولعل ما سجله التاريخ في بطون الكتب بالوثائق والصور خير شاهد عن مكانة الشيخ عبدالوهاب أبو ملحة، وكذلك الشيخ سعيد بن عبد العزيز بن مشيط لدى الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل طيب الله ثراه وغفر لهم جميعاً. الفقيد فقيد الوطن ونحسبه عند الله من الأخيار، داعين له بجنة الخلد التي لا موت فيها ولا فناء بعد أن انتقل من دار العناء والفناء إلى دار الطمأنينة والبقاء، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، وعزاؤنا لأسرته الخاصة ولأسرة آل أبو ملحة كافة، وعلى رأسهم عميد الأسرة الشيخ محمد بن عبدالوهاب أبو ملحة.