رغم هزيمته أمام المنتخب الهولندي لكرة القدم أول من أمس في الدور قبل النهائي لبطولة كأس العالم 2010 بجنوب أفريقيا، فليس هناك شك في أن منتخب أوروجواي حقق إنجازاً فعلياً ببلوغه المربع الذهبي للنهائيات العالمية الحالية. حطم منتخب أوروجواي بهذا الإنجاز الاعتقاد السائد أن النجاح يرتبط بكبر حجم البلد وثرائه. وسبق لمنتخب أوروجواي أن أثبت خطأ هذا الاعتقاد قبل عقود، وبالتحديد عندما توج بلقب بطولتي كأس العالم 1930 و1950 ولكنه عاد وأثبت ذلك مجدداً ببلوغه المربع الذهبي للبطولة. وقال مدرب المنتخب أوسكار تاباريز "في بعض البلاد التي تشارك منتخباتها في المونديال الحالي، يزيد عدد لاعبي كرة القدم على تعداد سكان أوروجواي بأكملها". لم يكن هذا من قبيل المزاح، وإنما تعبيراً عن حقيقة واقعة، حيث إن أوروجواي هي الدولة الأصغر على الإطلاق بين الدول التي توج منتخبها بلقب كأس العالم، ولا يقترب منها في البلدان التي حققت إنجازاً في بطولات كأس العالم سوى كرواتيا التي فاز منتخبها بالمركز الثالث في مونديال 1998 بفرنسا رغم أن تعدادها لا يزيد على 4.4 ملايين نسمة، في حين يصل تعداد أوروجواي الى أكثر قليلاً من ثلاثة ملايين نسمة. وبذلك، تكون أوروجواي هي الأقل سكانا بين جميع البلدان الأربعة التي بلغت منتخباتها المربع الذهبي في البطولة الحالية. ويزيد تعداد ألمانيا على 82 مليون نسمة، مقابل حوالي 45.5 مليون نسمة في إسبانيا و16.5 مليون نسمة في هولندا. ويتساوى تعداد أوروجواي تقريبا مع تعداد سكان العاصمة الألمانية برلين بمفردها. ولكن منتخب أوروجواي تجاوز قيود الحجم والتعداد السكاني وأثبت أن النجاح في عالم كرة القدم لا يرتبط بهذين العاملين، حيث سبق له الفوز بلقب كأس العالم عامي 1930، بأوروجواي و1950 بالبرازيل. كما أنه وصل في المونديال الحالي إلى المربع الذهبي لتكون المرة الثالثة التي يصل فيها لهذه المرحلة بالبطولة منذ عام 1954. وفي عام 1930، لم يكن تعداد أوروجواي قد تجاوز المليون ونصف المليون نسمة ولكن الفريق الوطني للبلاد استغل إقامة أول بطولة لكأس العالم على أرضه وفاز باللقب بعدما تغلب على نظيره الأرجنتيني 2/4 في المباراة النهائية أمام أكثر من 90 ألف مشجع احتشدوا في مدرجات استاد "سينتيناريو" بالعاصمة مونتيفيديو. وقاطع منتخب أوروجواي بطولتي كأس العالم التاليتين، 1934 في إيطاليا رداً على رفض عدد من المنتخبات الأوروبية السفر إلى أمريكا الجنوبية للمشاركة في المونديال الأول 1930، و1938 بفرنسا نظراً لإقامة البطولة للمرة الثانية على التوالي في أوروبا رغم الوعود بإقامتها بالتبادل بين القارتين. ولكن منتخب أوروجواي عاد بقوة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية التي منعت إقامة البطولة عامي 1942 و1946 ليحقق المفاجأة بالتغلب على نظيره البرازيلي 1/2 باستاد ماراكانا الشهير في المباراة الأخيرة بالدور النهائي الذي أقيم بنظام المجموعة. وأطلق على هذه المباراة لقب "ماراكانازو" وهي كلمة برازيلية تعني "كارثة رياضية". وبعدها، وصل منتخب أوروجواي إلى المربع الذهبي لبطولتي كأس العالم 1954 بسويسرا و1970 بالمكسيك، ولكن مستوى الفريق تراجع بعدها ولم يحقق إنجازاً حقيقياً، وكانت أفضل نتائجه التالية هي بلوغ دور ال16 في بطولتي كأس العالم 1986 بالمكسيك و1990 بإيطاليا. ويرى تاباريز أن هذا التراجع في مستوى نتائج الفريق ببطولات كأس العالم يرجع إلى تغير شكل اللعبة عالمياً، وإلى دخول المال كعنصر وعامل أساسي في نجاح فرق كرة القدم، وقال "اختلف العالم عما كان عليه في أوائل القرن العشرين.. الفارق بين العالمين الأول والثالث يتسع باستمرار. نحن ننتمي للعالم الثالث". وإلى جانب صغر حجم وتعداد أوروجواي عن باقي دول المربع الذهبي في المونديال الحالي، تعاني البلاد أيضاً من الناحية الاقتصادية، فقد أشارت بيانات البنك الدولي عام 2008 إلى أن متوسط إجمالي دخل الفرد من إجمالي الناتج المحلي في أورجواي يصل إلى 8260 دولار سنوياً، مقابل 40 ألفا و620 دولارا في هولندا التي لم يسبق لها أيضاً الفوز باللقب رغم مشاركتها بفريق رائع في عدد من بطولات كأس العالم. ونتيجة لهذا التباين الواضح في الأحوال الاقتصادية، استفادت البلدان الأوروبية من نزوح وهجرة عدد من نجوم البلدان الأخرى للعب في أنديتها مع إمكانية الاستفادة من بعضهم للعب في المنتخبات الأوروبية بعد منحهم الجنسية. وكان اللاعب الفرنسي زين الدين زيدان أبرز الأمثلة على ذلك، حيث ينتمي لأبوين جزائريين هاجرا إلى فرنسا. وفي المقابل، استفادت فرق مثل منتخب أوروجواي بطريقة عكسية، حيث يحترف أبرز لاعبي الفريق في أوروبا، مثل دييجو فورلان لاعب أتلتيكو مدريد الإسباني ولويس سواريز مهاجم أياكس الهولندي. ويرى تاباريز أن انتقال عدد من لاعبي بلدان العالم الثالث للعب في أوروبا سيضعف منتخبات الدول المصدرة للاعبين. ولا يعتقد تاباريز أن منتخب أوروجواي يستطيع تكرار النجاح الذي حققه في الماضي ولكنه يصر في نفس الوقت على قيادة الفريق لتحقيق بعض النجاح في المونديال الحالي وهو ما تحقق بالفعل ببلوغه المربع الذهبي علماً أن الفريق سيسعى إلى المنافسة بقوة على المركز الثالث في البطولة. وكان تاباريز قال قبل مباراة قبل النهائي "ما نحاول تحقيقه هو أن نتأقلم مع الحقيقة الجديدة... وأن نجد بعض العوامل التي قد تساعدنا على تخطي الفجوة التنظيمية والاقتصادية بيننا وبين المنتخبات الثلاثة الأخرى في الدور قبل النهائي للبطولة".