حينما تحتفظ ذاكرة الإنسان منذ مراحل الطفولة وبدايات الشباب بنبل وجمال مواقف بعض الشخصيات، ولا تبرح هذه المواقف الذاكرة إلا لتعود إليها؛ فذاك يدل على أن تلك المواقف كانت مغروسة في النبل والجمال والحضور الإنساني المتوهج الصادق. أقول هذا وأنا أتذكر بعض مواقف الشخصية العسكرية القيادية المعروفة المتمثلة في الفريق «منصور الشعيبي» قائد المنطقة الغربية، عليه الرحمة والرضوان. ولست هنا أتذكر مواقفه العملية، وإخلاصه لدينه ووطنه وولاة أمره، وثقتهم فيه، ورفضهم طلبه التقاعد بعد أن أمضى عاما في الولاياتالمتحدةالأمريكية للعلاج من مرضه آخر حياته، ولست كذلك في مجال تعداد مواقف نبله وحدبه وحرصه على موظفيه الذين عملوا معه من الضباط وصف الضباط والمدنيين؛ فقد سمعت عن ذلك ما يبهج ويسعد، ولكني أتحدث عن الفريق منصور الشعيبي قائد المنطقة الغربية في جانبه الاجتماعي المعبق بالنبل والرحمة، والعطف، وهو جانب يدل على سمو النفس، وصفاء الروح. ولعل الجانب الزاكي والمغيب من سيرته رحمه الله هي مواقفه مع أبناء وبنات أقاربه من صغار السن الذين كانوا يحملون له الهيبة والاحترام والتقدير، وكان مع مكانه ومكانته يعاملهم بأرق وأجمل وألطف المعاملة، وما زلت أذكر بكثير من الحب والدعاء مواقف الخال النبيل منصور الشعيبي معي حينما كنت أزور جدة وأنا الصبي اليافع وهو الكبير قدرا ومكانة، وكان مع ذلك الخال الرحيم الذي يأخذ من وقت راحته المهم، بعد انشغالاته ومسؤولياته الكبيرة؛ ليذهب بي بنفسه وبسيارته إلى عمارة الملكة في جدة، ويقوم بشراء ما أحتاجه، وما يعتقد أنني أحتاجه ويمنعني الحياء من ذكره، ولا أريد أن أثقل عليه به، وهو في غاية السرور والارتياح، ولم يكن ذلك التعامل يخصني فقط باعتباري ابن أخته، بل كان ذلك ديدنه مع أخوتي، وأبناء وبنات أقاربه جميعا، ويكفي أن بيته العامر في مدينة جدة كان مكانا لاجتماع الأقارب جميعا، فقد وجدوا فيه، وفي أسرته المحبة الكريمة القلب الحاضن بالحب للجميع، والاعتناء بحاجاتهم المتنوعة من مدينة جدة، باعتبارها المدينة التجارية الملبية لكثير من احتياجات الرجال والنساء. كنا حينها معشر الصبية والشباب نتعلم ونتربى ونحن نرى التربية متمثلة في القدوة الصالحة أمامنا وهي «الفريق منصور الشعيبي قائد المنطقة الغربية» التي لم تنسها أعمالها الكبيرة، ومسؤولياتها المتعددة من البر الكبير بوالدته رحمها الله، والجلوس معها، والحديث إليها في حب، وحنو متدفق، وحرصه الكبير على زيارة أقاربه وأرحامه، عيادة للمريض، وزيارة للكبير، واعتناء بالمريض والمحتاج، وأجزم أن القدوة هنا كانت تغني عن آلاف الخطب والمحاضرات، فقد جسدها الخال البار منصور الشعيبي واقعا عمليا لنا، بل إني أتذكر أن وفاته -رحمه الله- كانت في الطائرة العائدة من الرياض إلى جدة، بعد حرصه وهو في مرضه على السفر إلى الرياض من أجل زيارة بعض أقاربه؛ احتسابا للأجر، ووصلا للقرابة والرحم، وأكرم بهذه الخاتمة الطيبة المباركة. رحم الله الخال الحبيب منصور الشعيبي، الذي أبقى مواقف الطيبة، وصفاته الكريمة مع الجميع، ذكرى لا تزيدها الأيام والسنوات إلا بهاء ورواء، ودعاء...