الحمد لله الذي أوجدنا من العدم إلى الوجود.. الحمد لله الذي خلق الإنسان من تراب ثم جعله بشراً سوياً.. ومن ثم وبعد وفاته.. يعود إلى التراب.. يعود إلى القبر.. قال تعالى: مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55) سورة طه. الحمد لله على نعمه الكثيرة.. الحمد لله الذي جعل الموت راحة للأبرار.. في مساء يوم الجمعة، الموافق 4-3-1433ه، انتقل أخي ومربيّ ومعلمي الشيخ سليمان بن حمد السويلم إلى رحمة الله عن عمر يزيد على التسعين سنة.. قضاها في طاعة الله ومرضاته.. وفي الكفاح من أجل توفير لقمة العيش لأسرته وإخوانه متحملاً الكثير من الصعاب والمعاناة في سنوات مضت، وكانت البلاد المملكة العربية السعودية جدباء مقفرة.. لا أعمال.. ولا نشاط تجارياً بها.. اللهم إلا بعض الحرف المهنية البسيطة.. كالزراعة وبناء بيوت الطين، والزراعة في ذلك الوقت كانت لا تدر على المزارع إلا القوت القليل من إنتاجها.. بسبب عدم توافر الآلات الزراعية التي تساعد على مضاعفة الإنتاج، وإنما كانت الأمور بدائية.. فلا مكائن لنزح المياه من الآبار.. وإنما يتم نزح المياه بواسطة (الغروب) التي تُصنع من الجِلْد.. وتقوم بسحبها الجِمال والدواب من الآبار إلى مكان تجميع المياه.. اشتغل يرحمه الله بالزراعة البسيطة لبعض الوقت، غير أنه لم يجد بها ما يحقق عيشة الكفاية له ولأسرته؛ فسافر من مسقط رأسه ثادق إلى مدينة الرياض، ومنها واصل رحلته إلى العراق (البصرة - الزبير).. حيث يوجد بعض أفراد الأسرة المغتربين، وهم الخال محمد الحمد السويلم وعائلته، والعم أحمد العبد الله السويلم وعائلته يرحمهم الله.. ومكث هناك قرابة السنتين، لكن الجو هناك لم يناسبه.. والعيش كان صعباً.. ولا يحقق تطلعاته وطموحه. فعاد إلى المملكة واستقر في مدينة الرياض.. وعمل على إشادة المباني من الطين.. حيث النهضة العمرانية آنذاك كانت في مباني وقصور الطين؛ لأنه كان معلماً ويجيد البناء.. وساهم في بناء الكثير من المباني والقصور.. ويساعده في ذلك أخواه إبراهيم وعبدالله - أمد الله في عمريهما -. وبعد أن عُرف واشتُهر بالصدق ودقة العمل وسرعة الإنجاز أخذ أصحاب المباني يعرضون عليه الكثير من الأعمال.. وقد ساهم في بناء عدد من قصور الملك خالد بن عبد العزيز يرحمه الله في أم الحمام في بداية الحركة العمرانية في الرياض.. تحسنت حالته المادية، وجلب والديه وإخوانه الصغار وزوجته وأولاده من ثادق إلى الرياض.. بعد أن أقام مع أخويه مسكناً كبيراً للأسرة.. واستقروا في الرياض بدءاً من منتصف عام 1372ه.. وأصبحوا من أقدم الأُسَر التي رحلت من ثادق إلى الرياض.. ضاعف نشاطه، وتوافرت الإمكانيات؛ فاشتروا (سيارة قلاب) يحملون عليها المواد اللازمة للبناء، وكذا نقل العمال من موقع إلى آخر من مواقع العمل. حرص - يرحمه الله - على تعليم أخويه الصغيرين عبد العزيز وعبد الرحمن لإيمانه العميق بأن العلم مفتاح الحياة السعيدة لمن وفقه الله لذلك.. وقد تحقق له ما أراد؛ فقد حصل أخواه على الشهادة العليا، وعملا في الدولة، وأصبحا ممن يشار إليهم بالبنان.. وهذا بفضل الله ثم بفضل رعايته وحرصه على تعليمهما.. وكان هذا مبعث فخره واعتزازه يرحمه الله.. واصل يرحمه الله نشاطه في شراء الأراضي وتقسيمها وعمارتها.. ومن ثم بيعها؛ ما ضاعف مقدرته المالية.. فحمداً لله على ذلك.. كان الوالد يرحمه الله يستقبل الناس في ديوانية آل سويلم صباح ومساء.. ويقدم لرواد الديوانية القهوة والشاي.. وكذا الطعام في الغداء والعشاء.. وكانت ديوانية آل سويلم (حمد بن سليمان السويلم وعياله وفي طليعتهم الشيخ سليمان يرحمه الله) مقصد الحمولة والجماعة من أهالي ثادق.. وكانت ديوانيتهم آنذاك ملتقى الجماعة؛ لأن الرياض آنذاك قليلة المساكن، والناس كانوا قليلي المداخيل المالية.. ويسعدهم أن يتعللوا ويتناولوا القهوة أو الطعام عند أصحابهم ومعارفهم الذين هم أيضاً سعداء بهذا اللقاء؛ ما أوجد محبة وألفة بين الجميع.. وقد أحس - يرحمه الله - بحاجته إلى التعليم رغم أنه يجيد القراءة والكتابة.. اللتين اكتسبهما عن طريق الحلقات الدراسية التي يقيمها بعض العلماء في المساجد.. كما كان سائداً آنذاك.. ولهذا عزم على الحصول على شهادة دراسية؛ فانخرط في التعليم المسائي في مدارس محو الأمية.. وواصل الدراسة حتى حصل على الشهادة الابتدائية.. التي كانت فيما سبق ذات قيمة.. وكان له ما أراد حيث حصل على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية عن طريق المنازل.. وكان من الدارسين النابهين والمبرزين. وهو رجل صاحب حنكة ورأي سديد.. وعقل مستنير متفتح.. ومخلص في قوله وعمله.. يثق الناس برأيه ومشورته؛ لأنه رجل جُبل على الصدق والإخلاص.. لا يعرف النفاق أو الغش في أي شيء.. ولهذا فالكثير من معارفه يأخذون برأيه في الكثير من الأمور الحياتية؛ لأن الحياة بمرها وحلوها صقلت مواهبه.. كان لديه - يرحمه الله - موهبة الشعر، لكنه يخفي هذه الموهبة.. ولا يرغب في تنميتها.. ولهذا قال الشعر في الوصف والثناء.. وكذا الشجاعة والفروسية، ينطبق عليه قول الشاعر: ومهما تكن عند امرئ من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تعلم كما أنه يداعب جلساءه والخُلّص من إخوانه وجلسائه ويسامرهم.. ومن أشعاره آخر بيت في قصيدة رثاء الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل الشيخ التي قالها الشاعر راشد محمد العمار.. يرحم الله الجميع.. يصفه بالعمل على جلب المشاريع لثادق.. فقد اختتمها الشيخ سليمان السويلم ببيت الشعر الآتي: سد بنى وأثمر وشرب من ماه ومخطط وزع يا وزين مكانه كما قال قصيدة إخوانية يسلي فيها بعض الشباب المسافرين معه في زيارة للشيخ إبراهيم بن عبد الرحمن السويلم - يرحمه الله - في ديرته (جلاجل) حيث قال: يا شباب مسافر يم ديرة جلاجل قاصدن بيت عمه بيت عزة ومراجل حط قرص مجلل فوقه رز وأذناب حايل كما قال قصيدة يمدح فيها أخاه عبد العزيز أثناء سيرهما في رحلة برية.. حيث قال: يابو سعود يا ساعدي بالعون ترى السخا ثوب يكسينا موترك ذا دايم مشحون لكل خير تنادينا أبو سعود طيب ومأمون فهد طلع بين أيادينا من أسرة من يروي المسنون أولاد زايد أهالينا فقال له أخوه الرجاء وقف عن المديح عند هذا الحد.. فلربما أنك بعد قليل تأتي بأبيات تمسح بها هذا الثناء.. وينطبق علينا المثل القائل (صيفوره يأكل حيموره).. فضحكنا وتوقف شيطان الشعر.. وأصبحت هذه الرحلة وما قيل بها من أبيات شعر موضع استحسان الإخوة الآخرين.. عُرف يرحمه الله بين حمولته وجماعته وأهل محافظة ثادق بسداد الرأي والمشورة.. وبقوة الإرادة والشخصية.. وإذا قال في أي موضع رأياً كان هو الرأي المعول عليه لمصداقيته وأمانته وإخلاصه ومحبته للجميع.. لا يضمر حقداً لأحد.. الناس عنده في الحقوق والواجبات سواسية.. لا فرق بين إخوانه وجماعته وغيرهم.. ساهم في إصلاح ذات البين في كثير من الأمور بين بعض الأشخاص.. ساهم في نهضة وتنمية ديرته ومسقط رأسه مدينة ثادق في بدايات النهضة في المملكة هو وبعض الأشخاص الذين ساهموا معه في النهوض بثادق.. وتوفير بعض الخدمات والدوائر الحكومية في وقت مبكر فيها.. مثل المدرسة الابتدائية.. والسد الكبير في ثادق.. ومكتب البرق والبريد.. والمستوصف.. والمحكمة.. والمخطط الأول بثادق.. حيث راجعوا الجهات المختصة في البلديات.. وتم اعتماد أول مخطط لمدينة ثادق قبل افتتاح بلدية بها.. وذلك من قِبل بلدية حوطة سدير (إن لم تخني الذاكرة).. وقد ساهم معه من وجهاء وأعيان ثادق آنذاك كل من المشايخ محمد بن عبد الرحمن آل الشيخ، عبد الله بن حمد الجربا، إبراهيم بن محمد الحيدري، عبد العزيز بن سليمان المعجل، حمد بن إبراهيم المهوس، محمد بن عبد العزيز الدريهم، منصور بن عبد الله المنصور، إبراهيم بن عبد الرحمن السويلم، عبد الله بن حمد الجديعي، عبد الرحمن بن إبراهيم الدحام، راشد بن ناصر الدحام.. وقد تبرع في وقتها الشيخ إبراهيم بن عبد الرحمن السويلم بمنزله الواقع في العقدة من أحياء ثادق ليكون مقراً للبرق والبريد.. وهكذا كان أهالي ثادق يسعون جاهدين لخدمة بلادهم، ويقدمون ما يستطيعون في سبيل تقدم ونهضة بلدهم.. وقد صُلِّي عليه - يرحمه الله - في مسجد الملك خالد بن عبدالعزيز في أم الحمام بمدينة الرياض.. ودُفن في مقبرة أم الحمام المقابلة للمسجد من الجهة الجنوبية الغربية.. وقد صلَّى عليه خلق كثير، وذهب معه كثير من المصلين إلى المقبرة حيث ووري الثرى.. وقد سارع الكثيرون من معارفه وأصدقائه ومحبيه وعارفي فضله وجهوده في النهوض ببلده ومساعدة الآخرين في شتى المجالات بالمال أو بالرأي والمشورة.. سارعوا للمشاركة في العزاء.. وقد غص منزله بمئات المعزين طيلة أيام العزاء.. فجزاهم الله خيراً.. ماذا أقول عنك يا أخي ويا معلمي الحكمة والصبر والمعاملة الحسنة مع الناس.. وكذا صلة الرحم التي ضربت بها أروع المثل؟.. حيث كنت البار بوالديك وإخوانك وجماعتك.. عظم الله أجرنا في فقدك.. وأجزل الله لك الأجر والمثوبة على ما قدمت من أعمال.. ماذا أقول عنك؟ وأنت كنت لوالديك طيلة حياتهما الابن البار والحنون.. وكنت مع والدك جنباً إلى جنب.. تقوم بخدمته ورعايته.. وكنت نعم الابن البار بوالديك.. وقد كانا يرحمهما الله يلهجان بالدعاء لك طيلة حياتهما.. ماذا أقول عنك؟ يا من سعدت برضاء الوالدين وفزت برضاهما وبدعائهما لك بالتوفيق والسعادة. ماذا أقول عنك؟ يا من بررت بوالديك ووصلت رحمك وأقاربك.. لقد كان فراقك خسارة كبيرة لنا ولأسرة السويلم.. بل لحمولتك.. وأهالي محافظة ثادق الذين غمرونا بدعائهم وعواطفهم الأخوية.. وكانوا أكبر سند لنا على تحمُّل هول الفاجعة.. جزاهم الله خيراً.. لقد كانت مشاعرهم لا توصف.. وأحاسيسهم ومشاعرهم النبيلة أثلجت صدورنا.. وخففت من مصابنا.. نحمد الله أنك عشت عزيزاً مكرماً.. ومت مذكوراً بالخير والثناء.. والحمد لله على ما قضى وقدر.. نحمد الله أن ذكرك وعطاءك باقيان.. وأنك قد خلفت بنين وبنات فيهم الخير والبركة.. يدعون لك ليل نهار بالمغفرة والرحمة.. وقديماً قيل «ما مات من خلف».. شكر وتقدير لقد كان الكثير من الأصدقاء والمعارف والأقارب يشاركوننا المصاب الجلل، وقد غمرونا بمشاعرهم النبيلة الصادقة المخلصة.. وبعضهم جادت قريحته وسال قلمه بالرثاء نثراً وشعراً.. فجزى الله الجميع أعظم الجزاء.. ولا أراهم مكروهاً في عزيز لديهم.. ولا نقول إلا ما يقوله الصابرون إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ والحمد لله على ما قضى وقدر.. له ما أخذ وله ما أبقى وإليه المآل والمنتهى. (*)عضو مجلس منطقة الرياض