متي يتسني لنا طريقة الفكر الذي ننادي به ويکون مرتبطًا بمتطلبات المرحلة التاريخية التي نعيشها والتي تختلف في طبيعتها عن تلك المرحلة السابقة، فنواکب بذلك تطور الوعي الإنساني، وننجو من المتناقضات. عندما ندعو إلي التنوير ندعو إلي الحرية والعقلانية والتقدم وتحديث الحياة، دون أن يتوقف أحد عند نقد التنوير ذاته بوصفه حرکة غربية، ولابد أن يستشعر المثقف مسؤليته عن أحداث المجتمع، ويسهم في تکوين صورة مستقبلية له. ويدفعنا التساؤل ونحن في سياق موضوع التنوير، هل الصورة التي وصلت إليها الحضارة المعاصرة هي نتيجة لفلسفة التنوير التي استبعدت الأبعاد المختلفة للعقل، وجعلته يقتصر علي العقل العلمي والتكنولوجي، وتم استبعاد صور العقل الأخري مثل العقل الخيالي والأسطوري التي لا يستبعدها الواقع المعاصر، هذا الواقع الذي أصبح فيه الإنسان المعاصر أسيرا للحاجات اليومية والاستهلاك؟ وحتي نصل لنتيجة مرضية منطقيًا من سعينا في الحصول علي فرصة ندعو فيها للتنوير، وإبعاد العقل عن کل الخرافات التي تقود الانسان الي اللاشيء، وأعني بالعقل هنا، تلك الخاصية، أو الموقف الذي يقود إلي المعرفة من أجل السيطرة، ولذلك فهو موقف يرتبط ارتباطا وثيقا بأنماط التنظيم الاجتماعي الذي تختلط فيه السياسة والاقتصاد والأخلاقيات، للوصول إلي غاية واحدة. وعليه دعوني أتساءل هل استفاد الفکر العربي المعاصر في طرحه لقضايا التنوير والحداثة والمشروع الاجتماعي، من مناقشات الغرب للقضايا ذاتها، أم أننا لانزال نکرر ونردد ما سبق تقديمه في الماضي؟. والإجابة عن هذا التساؤل تقتضي مراجعة ما کتب من قبل المفکرين العرب في هذا الصدد، وهل يکفي هذه المرحلة طرح الأسئلة حول الواقع العربي الذي أعتقد أنه غاب عن حواسنا تحت رکام الکتابات النظرية العامة التي تبعدنا وتفصلنا عما نعيشه من قضايا؟!.