في أحد المقاهي الحافلة بالناس ما بين الداخل والطالع.. ووسط الضجيح.. أجلس أنا عبدالملك في المنتصف واضعا قهوتي بجانب كتابي الذي أحضرته لأفرد به عضلاتي الثقافية وأمارس البرستيج بأعلى مستوياته، وسرعان ما تلاشى هذا البرستيج عندما حضر صديقي حمد الذي يسمّي ال(cafe) كافيَه بفتح الياء، والذي لا يملك أي (حساب سوشلي)، والذي جعل المكان أشبه ب(نفود أو شعيب) لرحابة صدره وسهولة مجلسه «بساطه أحمدي». جلست إليه وبين يدي (فلات وايت)، وأمام صاحبي شاي منعنع، وكأن معركة حزب الشاي وحزب القهوة على وشك الحلول، فلم أشرب سوى رشفات من قهوتي حتى بدأ الكافيين بالنهوض، وبدأت الدماء تغلي في عروقي، وجاءت الأعصاب تشتد علي، وأحسست بوخزات في قلبي من فرط التوتر، حاولت الهدوء قليلا حتى صاح القلب بخفقة حسبتها لشدتها يوم المحشر، وأيقنت أن طبول الحرب قد دقت وساعة الصفر قد حانت، وأن هذا الخسيس الماثل أمامي يشرب شايا منعنعا في مكان اسمه مقهى؟! -لا والله ما صارت- ولن يبرح ساعة حتى أحرق له ربيعه هذا، وأضرم النار من تحت قدميه ليذوق من العذاب أمره ويجرَع من الألم أقساه حتى يلقاه الناس فيكون لهم عبرة، ويذكره التاريخ في واقعة محرقة الشاي.. ولكني بحاجة إلى مناسبة أبدأ بها حربي فلا تصلح حرب من غير مناسبة (سماجة)،. فشخصت بصري نحوه محدقا أبحث عن شيء عساه يكون فتيلا أشعل به.. فوجدت قلبه أبيض ناصعا ترويه عنه قسمات وجهه وحدقات عينيه، فزاد غيظي وضقت به حتى أخرج من جيبه آيفون (promax)، وضحكت ضحكة المترصد، وقلت في نفسي الآن طاب الضراب.. يا أستاذ حمد أنصت إلي.. أعرف أنك في جهة والتقنية و(السوشال ميديا) في جهة أخرى ومثلك حياته بسيطة أشبه بفنجال قهوة تُشرب ثم تغسل ثم تشرب مرة أخرى، وهكذا روتين بسيط ومحدود، فكونك تشري آيفون (pro max)، وتنفق 7 آلاف ريال على جوال لا تكاد تستعمله حتى! لهو أمر خطير وخطب جليل. أمر مثل كونك أصبحت ضحية دعايات، تداعت عليك وكالات التسويق والإعلان فسلبوك رأيك، ونزعوك حريتك وتدفع مقابل ذلك 7 آلاف؟! يا لِقلة الحيلة وفقد البصيرة.. أتراك بهذا الجوال تريد ثناء من الناس و-تحسين صورة-؟ هل ضاقت اهتماماتك إلا عن هذا؟ هل انتهت حاجتك إلى هذا؟ نعم سيقول بعضهم (wow awesome guy)؟ ماذا بعد؟ أرخصت نفسك حتى أصبحت سلعة يتم تقييمها يا حمد؟! لو أخبرتني لذهبت بك إلى سوق النخاسة على الأقل ستحظى ب(فيدباك) محترم! وإني أبرأ بك يا صاحبي أن تكون مجرد بضاعة تتبدل ما تبدلت الأحوال وتغيرت الأمزجة، فارشد إلى ربك وأزل القذى عن عينيك لترى النور ثم تأخذ قهوة وعلى حسابي إن شئت. وبعد إنصات طال منه أجابني بضحكة وأمامه (فصفص) متناثر: كل هذا من أجل جوال؟! إن جوالي في محل صيانة، وما تراه هو جوال الوالدة فهل طابت نفسك؟ يبدو أنك من عشاق (الأندروِيد)، قالها بكسر الواو وهو يضحك! فما عساي أن أقول عزيزي القارئ أمام هذا البرود القاسي؟ وأمام ضياع البوصلة بفعل ذلك الكافيين وتعجله إياي إلا أن أموت بغيظي فأكون شهيدا.. شهيد القهوة؟! لا لم أستحسن هذا النوع من الشهادة، فرأيت أن أخلع ردائي وألبس الدشداشة الكويتية لأنزل معه إلى هذا الشعيب الفسيح وإلى هذا الفضاء الواسع في مجلس الشاي.. أهلا بالشاي.. وأهلا بعشاق الشاي.