"عندما ترى أسامة يسبح، تشعر وكأنه مادة خام".. هكذا عبرت والدة السباح التونسي الشهير أسامة الملولي عن طبيعة ابنها بكلمات قليلة تنم عن كثير. وفي كل مرة يساور فيها القلق المتابعين للملولي ويشعرون أنه ليس قادراً على تقديم مزيد، يبرهن على أنه سباح من طراز فريد ولديه دائما ما يقدمه. وبينما بدا لكثير أن الملولي ليس قادرا على تكرار ما حققه في أولمبياد بكين 2008 عندما فاز بذهبية سباق 1500 متر ليصبح أول سباح أفريقي يتوج بطلا أولمبيا على مستوى الذكور، كان الملولي على موعد جديد مع التألق والنجاح الأولمبي من خلال الدورة الحالية (لندن 2012) . ورغم اعتذاره عن عدم خوض سباق 400 متر، استهل الملولي مسيرته في الأولمبياد الحالي بإحراز ميدالية برونزية لم تكن متوقعة من قبل كثير في سباق 1500 متر رغم اتجاه الرهان الأكبر صوب سباق عشرة كيلومترات بالمياه المفتوحة وهو السباق الذي تأهل من خلاله إلى الأولمبياد الحالي. لكن ذلك لم يكن كافياً للملولي الذي أراد إبهار الجميع بإنجاز أفضل لم يسبقه إليه أي سباح آخر حيث توج الجمعة بسباق 10 كلم ليصبح أول سباح في التاريخ يحرز ميدالية أولمبية في كل من سباقات المسبح وأخرى في سباقات المياه المفتوحة. ولم يعد الملولي علامة مسجلة على المستويين العربي والأفريقي فحسب وإنما أصبح علامة بارزة أيضا في تاريخ السباحة العالمية. وكان الملولي مهدداً بعدم المشاركة في الأولمبياد الحالي طبقاً للوائح الاتحاد الأولمبي البريطاني (بوا) التي تنص على حرمان اللاعبين، الذين يثبت تعاطيهم المنشطات، عن المشاركة في الدورات الأولمبية مدى الحياة، حيث كان واحداً من الرياضيين الذين أدينوا في الماضي بانتهاك قواعد مكافحة المنشطات. ولكن آمال (بوا) في الحصول على موافقة بمنع الرياضيين البريطانيين المدانين سابقا في قضايا منشطات من المشاركة في الدورة الأولمبية تبددت بحكم من المحكمة الدولية للتحكيم الرياضي (كاس) والتي قضت بالسماح للرياضيين الذين قضوا مدة عقوبتهم بالمشاركة في الأولمبياد. وحالف الحظ الملولي عام 2008 بانتهاء فترة عقوبته قبل أولمبياد بكين بفترة وجيزة فلم يكن أمامه سوى أسبوعين ولكنهما كانا كافيين للتأهل إلى الأولمبياد الذي أصبح من خلاله أول سباح أفريقي على مستوى الذكور يتوج بطلاً أولمبياً، وأول سباح عربي على مستوى الذكور والإناث يحقق هذا الإنجاز. وبعدها بعام واحد، أضاف ذهبية السباق نفسه (1500 متر) وفضيتي 400 و800 متر حرة، لكن الإصابات، التي لحقت به بعد ذلك منذ عام 2009، أثرت سلبا على مستواه مما أسفر عن نتائج مخيبة للآمال في بطولة العالم الماضية. وقال الملولي "بعد كل التدريبات التي أديتها، وجدت أن أدائي ما زال قاصرا وفشلت في التأهل لنهائيات سباق 1500 متر. وبعد هذه الإخفاقات، قررت أن أتغير وأغير استراتيجيتي". وأضاف "وجدت أن أفضل فرصي ستكون في سباق 10 كلم بالمياه المفتوحة، وقررت أن أشارك في سباق 1500 متر بالأولمبياد ولكن دون المشاركة في سباق 400 متر حتى أركز في سباق المياه المفتوحة". وكان القرار حكيما بالفعل حيث تسيد الملولي سباق المياه المفتوحة قاطعاً المسافة في ساعة واحدة و49 دقيقة و55 ثانية متفوقا على الألماني توماس لورش بفارق 4ر3 ثوان والكندي ريتشارد واينبرجر الذي حصد الميدالية البرونزية بفارق 8ر1 ثانية أخرى. وقال الملولي "بعد واقعة إيقافي عام 2007 بسبب المنشطات، أدركت أن لدي موهبة من عند الله وأنه من الضروري الاعتناء بها وراهنت على إثبات أنني رياضي نظيف ونجحت بالفوز بذهبية 1500 م في بكين 2008". وأوضح الملولي أن إدانته بتعاطي المنشطات عام 2007 لم تترك أثراً سلبياً على مسيرته الرياضية لأن المادة المحظورة التي أدين بتعاطيها كانت ضمن مكونات حبوب يتناولها من أجل السهر لمساعدته على الدراسة في الجامعة ولم تكن بهدف الغش الرياضي. وأشار "تعلمت من ذلك كثيرا وحرصت على المحافظة على نفسي والتأكد من سلامة كل ما أتناوله.. ولكنني عانيت من إصابات عديدة منذ عام 2009 وبذلت جهدا كبيرا للعودة بقوة وتحقيق ميداليتين لتونس والعرب في الأولمبياد الحالي".