بعد فرح رمضان يأتينا العيد، فلا نكاد ننسى أيامه الثلاثة، في ليلته نبيت وفي نفوسنا فرح يتوارى خلف ليلة لا تنسى، نقيس فيها ملابسنا الجديدة، ونختبر فيها حماستنا التي لا تكاد تغيب عنها ابتسامة الفرح، وأمل طلوع يوم العيد وقد ارتدينا تلك الملابس الجديدة التي لا تنفصل عن أجسادنا ثلاثة أيام، تستيقظ معنا كل بيوت القرية فرحة، تضيء الدروب في طريقنا، فتقودنا خطواتنا الحثيثة إلى مصلى العيد، ما زال الفتى القروي يذكر أنّ جيب ثوبه وجيوب رفاقه لا تكاد تخلو من (أكياس) بلاستيكيّة فيها ألعاب نارية (شحات) يُخشى أن يتسرّب منها البارود المصبوب في داخلها إلى ثياب العيد البيضاء، فتتسخ تلك الملابس أو تتلف. لم نكن نريد أن يفسد فرحنا، فلا فرح عندنا يساوي فرح العيد، ولا بهجة تخترق نفوسنا غير بهجة العيد.. كنا نذهب إلى مصلى العيد مبكرين، فلا نتأخر عن صلاة ولا تغيب عنا تكبيرة، نلتقي الكبار والصغار، فكأننا نلتقيهم لأول مرة بعد غياب عام، نجلس منصتين إلى خطيب العيد وفي فؤاد كل منا عجلة لا تكاد تخفى، انتظاراً لفرح مؤجل، ولقاءات منتظرة. تنتهي صلاة العيد وخطبتاه، فتلتقي أرواحنا مع أرواح أهلنا وأصدقائنا وجيراننا وأهل قريتنا، نتبادل الفرح تهنئة وعناقاً، فلا نكاد نفترق حتى يبدأ عيدنا، نطلق الألعاب النارية، وننتقل مع الكبار من بيت إلى بيت، لم تكن القرية قد تعلّمت كيف توصد أبواب بيوتها في وجوه المعيّدين، فقد كان الجميع يتسابقون في الفرح تعبيراً وتمثيلاً وحضوراً. وبعد تمام الصلاة وتبادل التهاني في مصلى العيد، ينتقل النّاس في تلك الأصبوحة إلى بيوت القرية، فيُستقبلون في كلّ بيت، يُقدّم لهم كلّ ما لذّ وطاب من المأكل والمشرب، تتخلل تلك الزيارات الحميمة مزحات تخفّ وتثقل، لكنّها تبعث السعادة في النفوس، فلا تكاد فرحة رمضان تغيب لأنّ فرحة العيد قد جاءت هي الأخرى لتجدّد الحياة في نفوس تعرف جيداً قيمة الفرح، فلا هي تتزلّف ولا تتكلّف، لكنّها تُقدّم نفوسها الطيبة كما هي محبّة للحياة والفرح والعيد. تلك كانت ذاكرة قروي، لا يعيبه أن كان، ولا ينسيه أن أصبح، فالحياة لا تقوم دون ماض طيّب، ولا تستمرّ دون حاضر ينتظر فيه كلّ شيء طيّب، لكنّها ذاكرة تحنّ، ونفس ترجو. علي فايع -قاص وناقد [email protected]