سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
وكنا نفرح بثياب العيد! لم تكن لدينا خزائن تمتلئ بالثياب، ولا أرفف تزدحم فوقها.. كان العيد بالنسبة لنا فرصة سانحة بأن نلبس ونفرح، لذا كنا نحزن كثيراً حين تبتل ثيابنا الجديدة أو تتسخ أو يصيبها أذى!
كان رمضان بالنسبة لنا فرحاً لا ينقطع، ففيه تتصل علاقتنا بالجديد.. نأكل ما لذ وطاب، ونشرب، ونلتقي في لياليه بشكل مستمر، في منتصفه تبدأ الاستعدادات الكبيرة للعيد، فتشترى لنا الملابس الجديدة التي لا نحصل عليها إلا في الموسم مرة واحدة! كان رمضان البوابة الفعلية للفرح الطفولي، فمن لياليه التي ترسم البهجة والسرور إلى هداياه التي تمنحنا السعادة بالعيد، وشعورنا به.. لم تكن أسر القرية قد عرفت الأسواق العامة بعد. كان نادراً بالنسبة لنا الذهاب إلى الأسواق التي كانت تفتح أبوابها للناس بشكل أسبوعي، وكم كان عظيماً حين يسجل أحدنا في ذاكرته أنه زار سوق السبت أو الأحد أو الثلاثاء، وربما كان محظوظاً من اشترى من تلك الأسواق شيئاً خاصاً به.. لم تكن محلات الخياطة قد انتشرت في ذلك الوقت بشكل كبير، فقد كان آباؤنا في تلك الأيام يشترون لنا الثياب الجاهزة من الأسواق الشعبية التي كانوا يترددون عليها بشكل أسبوعي.. ما زال الفتى القروي ورفاقه يتذكرون مظاهر الفرح بالثياب الجديدة، فقد كانت بادية على وجوههم، كانت نفوسهم فرحة ومتباهية، فلا تكاد الأرض تسعهم من الفرح. لم تكن الثياب الجديدة متاحة لهم في كل وقت، بل كان رمضان فرصة الموسم الذي ربما لا يتكرر، فما إن ينتصف شهر رمضان حتى تبدأ القرى الانتفاضة من أجل عيد الفطر! لسنا وحدنا من كان يفرح، القرية كلها كانت تفرح، فهي تلبس الجديد، في طبائع أهلها وعاداتهم، وتكتسي به في الملبس والمظهر.. كان فرحنا بالثياب الجديدة لا يوصف، فلم نكن نملك القدرة على أن نلبس الجديد متى شئنا، كانت المواسم فرصتنا الحقيقية لهذا الفرح! لم تكن لدينا خزائن تمتلئ بالثياب، ولا أرفف تزدحم فوقها، كان العيد بالنسبة لنا فرصة سانحة بأن نلبس ونفرح، لذا كنا شديدي المحافظة على تلك الأشياء الثمينة التي لم تأت بيسر وسهولة، وكم كنا نحزن كثيراً حين تبتل ثيابنا الجديدة أو تتسخ أو يصيبها أذى! رمضان ذاكرة لا يسقطها التقادم، ولا تضعفها سعة الرزق واعتياد الأشياء.. رمضان حياة تبعث الحياة! علي فايع - قاص وناقد