في يوم الجمعة 1443/2/24ه الساعة الثانية والربع ظهراً غابت شمس أمي، وغاب قمرها، وأغلق باب من أبواب الجنة، كنا عند عتبته كل يوم، غابت دعواتها التي تمطرنا بها عند قدومنا وأثناء جلوسنا وعند ذهابنا. غابت توجيهاتها التي تفوق الدروس والمحاضرات والندوات والرسائل، كلماتها من ذهب ووصاياها درر، ونظراتها أمان، وابتسامتها تملأ المكان عطراً وعبيراً. غاب المجد الذي نفخر به، وغاب الثناء الذي تلهج فيه، وغابت فضائل جودها علينا، ليس لها مثيل ولا يعوضها بديل.. أمي كانت لنا مدرسة نتعلم من طباعها، ونأخذ من صفاتها ونسعد بقربها. أمي حياتها كفاح ووقتها صلاح، عاشت منذُ صغرها بلا أم هي وأختها حصة وأخيها عبدالرحمن، بعد وفاة والدتهم هيلة بنت إبراهيم آبا الخيل، رحمهم الله. وبعد زواجها من والدي سليمان بن علي الدبيخي، رحمه الله، عاشت معه في مزرعته في ضاحية القويع غرب بريدة، فكانت معه نعم المعين، يحرثون الأرض ويزرعونها ويسقون ويحصدون، وأنجبت من البنين، صالح توفي صغيراً، وعثمان وعلي وعبدالله وعبدالعزيز وفهد، وسلطان توفي صغيراً، ومن البنات منيرة ونورة والجوهرة وهيلة وبدرية وعواطف وتهاني. وكانت أمي مع أرحامها واصلة، ومع جيرانها محسنة، مجلسها بلا غيبة ولا نميمة، حيث إذا اجتمعت النساء في مجلسها قالت لا تذكروا أحداً غائب إلا بخير. كانت تفرح بزوارها وتعذر من يتأخر عن زيارتها، وتقول أنتم بحل، وكانت تتلمس حاجات المحيطين بها من الذرية والأقارب والجيران، وكانت ترسلنا إليهم بما تجود به من إنتاج المزرعة. رحمكِ الله يا أمي، 77 عاماً من العطاء مضت وكأنها لحظات، بقينا نتلمس عطر مكانها وملامحها الجميلة. أماه لو رجع الزمان بنا لكنا مطايا نحمل الأم عالياً. يا قبرُ فيك فؤداي موسدا ما أسعد القبر يوم ضم فؤادي، لكننا بالله قد رضينا وبحكمه عم البرايا عدله. اللهم أكرم نزلها ووسع مدخلها وأغفر لها ولوالديها وزوجها وجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.. «وإنا على فراقك يا أماه لمحزونون».