عاش جيل ما قبل عصر السيارات والكهرباء، وإسهامات والده زمن توحيد المملكة العربية السعودية على يد المؤسس الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه. وفي أول ظهور للمدرسة، التحق بها وتخرج معلما. نشأ في قصور الطين العتيقة بحي «ذهبان» في «خميس مشيط» أمام نظر عيني أبيه، فتتلمذ على يديه بشهود مدرسته الوطنية في مجالس الوفاء والنقاء، يرمقه بفطنة حين يحاور زواره ويباشر شئون قبائله، ويرافقه إلى السوق في موكبه من الخيول رديف على أحدها لصغره، فاكتسب خبرة واسعة وحكمة مبكرة، وكان مخلصا لوطنه وقادته. ذلك هو رجل الخميس الشيخ الإنسان/ عبدالعزيز بن سعيد بن مشيط المتلحف بالواقعية، والمتحلي بالأريحية. تعلم «الانتماء والولاء» في رحلة وفاء ونقاء. أيقونة ماضٍ تليد، وأعجوبة حاضر مجيد. رجل الخبرة والحكمة الذي عيّنه الملك فيصل بن عبدالعزيز - رحمه الله - أميرا ل«خميس مشيط» بعد وفاة والده الأمير سعيد بن مشيط في 1381ه، ثم محافظا حتى تقاعده في 1427ه، فسار على نهج والده، مخلصا لدينه ووطنه وقيادته ومجتمعه. سعدت، قبل أيام، وشرفت بلقاء ذلك الرجل النحرير. رجل التواضع والإنسانية والأعمال الخيرية. لسان يفيض قولا بدرر الكلام المذهّب الخالص المرصع بالألماس. عن إنسانيته أتحدث على لسان أحد العاملين في قصره، حيث كان هناك رجل عربي يعمل سائقا لديه إلى أن توفاه الله، فأمر «ابن مشيط» باستمرار صرف معاشه الشهري، وتحويله لأهله مدى الحياة. هذه اللفتة الإنسانية ترجمة لأخلاق ومروءة الإنسان السعودي، قيادة وشعبا، وعظة وتأمل لمن يماطلون في دفع أجور عمالهم، متناسين قول الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم: «ثلاثةٌ أنا خَصمُهم في القيامةِ ومَن كُنْتُ خَصمَه أخصِمُه: رجُلٌ أعطى بي ثمَّ غدَر ورجُلٌ باع عرا فأكَل ثمنَه ورجُلٌ استأجَر أجيرًا فاستوفى منه ولَمْ يُوفِّه أجرَه». «ابن مشيط»، الذي يحب التراث وورثه عن والده، ذكر ليّ في قصره العامر أنه بصدد تدشين قصور والده العتيقة بحي «ذهبان» في «خميس مشيط» بكل مقتنياتها بالتزامن مع اليوم الوطني كموقع تراثي وتاريخي، وإهدائها للمحافظة وزوارها. في هذا اللقاء بصحبة ابنيّ«سعد» و«محمد» في بيت سليل الكرام، والذي لم أكن أريد أن ينتهي، أهداني كتابه التاريخي الشيق «آل مشيط في ذاكرة التاريخ»، الذي دشنه نادي أبها الأدبي، وأوصي قراء التاريخ باقتنائه. أخيرا.. «خميس مشيط» لها مكانتها التاريخية القديمة، وإرثها التراثي، إذ تتشابه طريقة البناء فيها مع البناء التراثي الذي يستخدم الطين والرمل والتبن، بالإضافة إلى احتوائها على قصور «آل مشيط» التاريخية، وجامع الشيخ سعيد بن مشيط الكبير، الجاري إنشاؤه على أحدث طراز معماري، ويجمع بين روعة جمال تراث الماضي وحاضر المحافظة.