فرق كبير بين قراءة التاريخ بين دفاتر المجلدات مرتديا حبرا أسود، ومشاهدته ب "شحمه ولحمه" على الشاشة؛ والمسافة بين الحالتين أبعد من المجرة، رغم أن التفاصيل بينهما قد تكون أقرب من دمعة العين عندما تتربع على كرسي الخدين. وبعيدا عن "الزوبعة" التي أثارها مسلسل "عمر" في سياق المسلسلات التاريخية هذا العام، جاء "نابليون والمحروسة" بطولة الفنانة ليلى علوي ليخطف المشاهدين، ويدفع النقاد للبقاء الإجباري داخل مربع "الاندهاش" لضخامة العمل، ودقة تفاصيله، وتكامل مقومات نجاحه. والعمل تدور أحداثه في فترة حملة الجنرال الفرنسي نابليون بونابرت على مصر، والتي استمرت من عام 1798 وحتى عام 1801، ويركّز على حياة المصريين في هذه الحقبة، من خلال قصص عائلات وشخصيات مصرية. وما يلحظه المشاهد بالعين الفنية المجردة، ومنذ الحلقات الأولى أن المسلسل جاء ليعبر عن الشعب المصري، وقوة نسيجه الوطني، في ملحمة تاريخية وليس ذاتية ل "نابليون بونابرت". لقد تفوقت ليلى على نفسها مرتين، الأولى عندما قبلت الدور رغم قلة مشاهدها التي لا تتجاوز 55 مشهدا، والثانية عندما وضعت نقطة، وبدأت من أول السطر؛ لتكتب تاريخا جديدا لنجوميتها وهي تجسد دور "نفيسة البيضاء"؛ وهذه الشخصية تتمتع بالقوة، والحكمة، والذكاء، واللياقة، مما جعلها تشارك في الأحداث، ويكون لها دور بارز في المقاومة ضد الحملة الفرنسية؛ تقوم نفيسة بإخفاء قادة المقاومة من شباب وشيوخ الأزهر، والذين يكشفون خطط خداع نابليون للمصريين، والتي بدأها بالمنشور الذي أرسله إليهم يحاول فيه إيهامهم بأنه قادم ليخلصهم من حكم المماليك، وأنه يحترم تعاليم الإسلام، ذلك المنشور الذي قال عنه نابليون لقواده: "إن المنشور ما هو إلا دجل من طراز رفيع". وشخصية نفيسة التي تقدمها "علوي" هذا العام تاريخية وواقعية، ولعبت دورا مهما في تاريخ مصر؛ حيث كانت زوجة مراد بك، وكانوا يطلقون عليها "أم المماليك" و"نفيسة البيضاء"، لمواقفها الطيبة، وقلبها الكبير، بخلاف شخصية "هدى" الدرامية التي لعبتها في "حديث الصباح والمساء" ولا تتصل بالواقع، وجاءت من وحي خيال الكاتب الكبير نجيب محفوظ. والتصوير في المسلسل له نصيب الأسد والفيل أيضا في نجاح العمل، ومربط "الفرس" في تميزه؛ بداية من تصوير مشاهد ضمّت نحو الألفي كومبارس ارتدوا ثيابا عكست تلك الحقبة في "كادرات" بُنيت على هيئة مصر التي كانت تسمى (المحروسة) تم بناؤها في مدينة الإنتاج الإعلامي لتشبه بتفاصيلها، وشوارعها، ومنازلها، ومعالمها، مصر عام 1798. أما تصوير المعارك البرية مع كل ما تتطلّبه هذه المشاهد من أسلحة وخيول، فقد عكس عبقرية فريدة، وليست جديدة على الدراما العربية، أعادت إلى الأذهان روعة "وا إسلاماه" و"الناصر صلاح الدين"؛ حيث نفذت المعارك البحرية التي استلزم تصويرها بناء أسطول بحري خصيصاً للعمل.