في ليلة من ليالي رمضان الحالي، اجتمع بمجلسي من شتتّهم الدروب والأرزاق من الأصدقاء، وكانت بوصلة حديثنا تتجه نحو "رمضان الأمس ورمضان اليوم" وما الذي تغير؟ كيف كان، وكيف هو اليوم وحالهم معه؟ هل اختلفت مظاهر الاحتفال بقدومه والاستعداد لاستقباله؟، كيف كانت البيوت تستعد له؟ كيف كانت فرحة الصغار والكبار؟ ما الفرق بين تقاليد الأمس واليوم التي كانت ترافق قدوم رمضان؟ نثرة من الأسئلة بسطناها للحديث، جعلتني أردد متى (يُذْكَروا يَفْرَح فُؤَادي لِذكْرِهم. وتَسْجُمْ دُموعٌ بَيْنهن نَحِيب) فمع إطلالة كل رمضان تعود بنا الذاكرة إلى "رمضانات الأمس" حينما كانت الحياة بسيطة وغير معقدة، الشيء الذي لا يمكن الاختلاف عليه، أن لرمضان الأمس طعما لم يزل، فما إن ينتصف شعبان حتى تبدأ النساء بالبيوت الدخول في تجديدات وحمى الاستعداد احتفالا لاستقبال رمضان، فتطلى الجدران "بالجص والخضار "نبات البرسيم" والتي استبدلت بالدهانات بعد مجيئها، ويبدأ الرجال في إحضار متطلبات رمضان، فالأطعمة لا تعد إلا بالمنازل، ويحاول بعضهم الخروج إلى قمم الجبال المحيطة بقراهم ومدنهم لاستطلاع هلال رمضان نهاية شعبان، حتى تولت إمارات المناطق إعلام الناس برمضان، إذْ كان "المناديب "يصلون إلى جميع المناطق لإخبار أمرائها بدخوله، وبداية الصوم، وكانت وسائل تنقّل هؤلاء المناديب "الجمال والحمير" وبعيد انتشار الخبر يقبل الناس على بعضهم بالطرقات والمساجد، وهم يتبادلون التهاني بحلوله، وقد علتهم فرحة، ولبسهم شوق عظيم لمقدمه، وفي ليالي رمضان، لم يكن هناك وسائل تسلية للناس، بل كانت مسامراتهم تسليتهم الوحيدة، وبعد مجيء الراديو وقدرة البعض على التقاط بث الإذاعات العالمية والعربية، وبعيد انطلاق الإذاعة السعودية تحول الراديو إلى "أكبر مسل" في حياة الناس، ثم جاء التلفزيون مطلع الثمانينات، ليحتل مساحات كبيرة في حياة الناس والأسر، وكانت هناك برامج خاصة لرمضان علقت بأذهانهم حتى اليوم، لم يكن بينها ما يدخل الناس في جدليات كما هو اليوم، بل الكثير ما زال يذكر برامج مثل "نور وهداية – مسائل ومشكلات – على مائدة الإفطار – منكم وإليكم – من كل بحر قطرة – ابتسامة كاريكاتيرية -حروف- اخترنا لكم. ما الذي اختلف عند الناس بين رمضان الأمس واليوم، فجعل أكثرهم يحنّ دائما لرمضان الأمس، ويبكي عليه؟ الكثير يعزو ذلك الاختلاف إلى غياب مباهج الفرحة بقدوم رمضان عند الناس، وكيف أن التقنية باعدت بين الناس، فلم يعد ذلك الاتصال بالرسائل يقرب بينهم بقدر ما يرون ذلك الأمر جعل العواطف والمشاعر باردة "انسخ الصق أرسل"، غابت لذة تلك المسامرات، انحدر مستوى بعض البرامج ورآها بعضهم أنها أفقدت رمضان بعضا من روحانيته، خفت زيارات الناس واستبدلوها إما بالسفر أو الانزواء خلف شاشات التلفاز، وتوارت حميمية قلوبهم خلف الأحداث الراهنة، استبدلوا أكل البيوت بأكل المطاعم، حتى الصغار الذين كانوا يحتفلون برمضان على طريقتهم الخاصة بمحاولاتهم مشاركة الكبار الصيام والجلوس على موائد الإفطار والسحور، بالرغم من تظاهرهم بالصوم والعطش والتعب كانوا يعبرون عن فرحهم برمضان، اختفت أحاسيسهم التي كانت تدفعهم إلى إقامة ملاهيهم الخشبية داخل الأحياء، والسهر في طرقات الحي حتى نسمات السحر وممارسة لعب الكرة، وأصبحوا في علاقة لا تنفك مع ألعاب الكمبيوتر، التي حولت أفراد الأسرة في كل منزل إلى مجموعة من الغرباء، كان الناس في رمضان الأمس أكثر قربا من بعضهم، ولم ينشغلوا كثيرا بقوائم الأطعمة والمشارب كما هو اليوم، طال الحديث ولم يعد لي ونحن ننّبه بعضنا لوقت السحور إلا أن أردد قول أحدهم "ثم انقضت تلك السنون وأهلها .. فكأنها وكأنهم أحلاما". تقبل الله صيامكم.