رغم التغيرات التي طرأت على مظاهر الاحتفاء بشهر الصيام في العقود الأخيرة، يظل لرمضان عند البدو في القرى والهجر، نكهته الخاصة التي لا تختلف باختلاف المكان ولا بتغير الزمان، ليس فقط لما يتميز به الشهر من نفحات روحانية، بل لأن رمضان يعني للأهالي في تلك المناطق مزيدا من التلاحم والتواصل مع الأهل والأصدقاء والجيران، وامتدادا لعاداتهم وتقاليدهم الأصيلة التي مازالوا يتمسكون بها، فمنذ الإعلان عن رؤية هلال رمضان، تجتاح الأهالي مظاهر الفرح والسرور فيخرجون لتبادل التهاني وسط أجواء من التفاؤل بحلول الشهر، فيما تعتبر المجالس الرمضانية إحدى السمات البارزة لرمضان في القرى والبادية، على العكس من المدن حيث يلتقي الأهالي في مجموعات كبيرة للسهر والسمر. «عكاظ» جالت في ضواحي الطائف ورصدت من هناك إيقاع حياة أبناء البادية في رمضان، مستطلعة آراءهم عن عادات زمان. حمدي الهذلي البالغ من العمر 100 عام يروي «في الماضي كان شيخ القبيلة وجمع من الأعيان وعامة الناس يخرجون إلى أعلى قمة جبل لتحري رؤية الهلال، وكان الجميع يتسابقون لرؤيته خاصة أصحاب البصر الحاد الذين يشاهدونه بالعين المجردة، وحال التأكد من رؤيته، فإنهم يهللون ويكبرون ثم يذهبون لأداء صلاة المغرب وبعدها يأمر شيخ القوم بإبلاغ باقي البلدات القريبة بعدة طرق، منها إطلاق طلقة من بندقية في الهواء، إعلانا بوجوب صوم غرة رمضان، أو عن طريق إشعال النار في أعلى قمة جبل قريب من المناطق المجاورة، وعندما يشاهد الناس ذلك يدركون حلول الشهر. وبعد أن وحد الملك عبد العزيز يرحمه الله البلاد، أصبحت إمارات المناطق ترسل المناديب على ظهور البهائم ليبلغوا الناس بحلول شهر رمضان، وقد يتأخر بعضهم يوما في التبليغ بسبب بعد المسافة وهو ما يجعل البعض يتأخر في الصوم يوما ثم نقضيه بعد عيد الفطر. وقد وصف شاعر آنذاك في قصيدة كيفية نقل الخبر بقدوم رمضان، أصبح البعض يتناقلونها ويرددونها قبل رؤية الهلال: تعينوله يالرجال المشاكيل تعينوا لهلال شهر رمضاني حتى نشب النار في ظلمة الليل في راس مرقابن رفيع المكاني وتشوفها العربان من نجد للسيل وتصوم للمعبود معطي الجناني وقال آخر: يامرحبا باللي لفانا بعد عام شيخ الشهور إللي علينا صيامه فيه الثواب ومغفرة ذنب من صام صحفه تنشر بيض يوم القيامه المجالس الرمضانية ومن جانبه يؤكد نجر البقمي البالغ من العمر 98 عاما، رسوخ هذه العادات والتقاليد عند أهل البادية قديما وحديثا، قائلا: إن عاداتنا وتقاليدنا في شهر رمضان لم تتغير حيث نمارس أعمالنا اليومية كالمعتاد لحين حلول وقت الإفطار، فيجتمع أبناء الفريق أو الحي كل يوم لدى إحدى الأسر لتناول الإفطار الذي عادة ما يتكون من التمر واللبن والماء والقهوة، ومن ثم يذهب الجميع لأداء صلاة المغرب والعودة بعد ذلك لتناول وجبة العشاء وأهم مكوناتها (الثريد والهريس والمرق)، وبعد ذلك نذهب لصلاة التراويح ونتدارس القرآن بعد الصلاة وبعد الانتهاء من الصلاة، يتجمع أهل الفريق من معارف وجيران حول (الشبة) لتبادل الأحاديث فيما هم يتناولون التمر والقهوة العربية، ثم يعودون إلى منازلهم للنوم والراحة حتى وقت السحور الذي يتكون في الغالب من حليب الإبل والدخن وقليل من الأرز في النادر، ثم يتوجهون بعدها إلى المسجد لقراءة القرآن لحين الفجر، وبعدها يذهب الرجال للعمل البعض إلى مزارعهم والبعض الآخر لرعي الأغنام. وإلى ذلك، يضيف مخلد هضيبان البالغ من العمر 115عاما: أن الأهالي في البادية والأرياف يحرصون على إحياء المجالس الرمضانية (الشبة) خلال الشهر، لأنها تحقق التواصل بين الأهل والأصدقاء بصورة أكبر عن الأيام العادية، حيث كان الآباء والأجداد يعقدون هذه المجالس في بيوت الشعر ومباني العريش التي كانوا يسكنونها، حيث يلتف الأهالي من كل حي أو فريق للسهر والسمر وسط أجواء رمضانية تتميز بالتلقائية والبساطة في جميع مناحيها.. وجبة الإفطار ويصف ردة باني الحمداني موائد رمضان زمان بالبسيطة حيث تتكون من الأسودين، فيفطرون على الخبز والتمر أو الأرز مع الحليب (لم نكن نعرف ما يسمى بالشوربة في الوقت الحالي إلا لدى الرجل المقتدر)، مضيفا كان التمر يمد أجسامنا بالقوة والقدرة على تحمل الأجواء الحارة في رمضان، ولذلك كنا نكثر منه.