سبعينية أرهقها التقدم في السن، وتكالبت عليها أمراض القلب والأوعية الدموية، ما إن تهدأ بعد تناول أقراصها المهدئة، حتى تضج بأنين آلامها من جديد، عندما تعلو أصوات السيارات التي تتبارى في التفحيط في الشارع المجاور، ورضيعة ذات الثلاثة أشهر من عمرها لم تكد تهنأ بحليبها حتى "تتقيأه" فزعة في آخر اليوم، من أصوات فرامل السيارات المتصارعة، وصيحات المتفرجين. هاتان الحالتان تعرفت عليهما "الوطن" وفتحت بهما ملف التفحيط الذي تشعبت جذوره ودوافعه الاجتماعية، ولم يعد يهدد فقط ممارسيه من المراهقين، ولكن بات يهدد أيضا حياة المسنين والأطفال في غرب الرياض. يقول أحد سكان حي البديعة غرب الرياض عبدالعزيز العبدالله، إن والدته المسنّة تعاني جراء إزعاج المفحطين المستمر، والذي غالبا ما يبدأ بعد صلاة الفجر مباشرة، وبات يقض مضاجع سكان الحي في نهار رمضان. وأبان أن صرير إطارات المفحطين أصبح مخيفا، خصوصا أن منزله يقع خلف ما أسماه ب"مسرح المفحطين والمتجمهرين" وهو شارع حمزة بن عبدالمطلب مخرج 26 من الدائري الغربي، وأن والدته التي تبلغ من العمر 72 سنة تعاني من أمراض التقدم في السن، وأبرزها مرض القلب، والأوعية الدموية، وارتفاع الضغط والسكري، إضافة إلى أمراض عصبية. وأضاف العبدالله أن الضوضاء التي يحدثها المفحطون تزيد من أوجاع والدته، وتعزف على أوتارها المتعبة، خصوصا وأن الطبيب المعالج حذر أفراد العائلة من تعرضها لأي أصوات مرتفعة، مؤكدا أن لها آثارا سلبية خاصة على الأعصاب، وقد تتسبب في انتكاس حالتها الصحية، مشيرا إلى أن مشهد التفحيط غرب العاصمة بات لوحة مخيفة لا تكاد تفارق فترة ما قبل شروق الشمس. وفي السياق ذاته، قالت أم عادل إنها تعاني كثيرا مع طفلتها "رهف" ذات الأشهر الثلاثة، حينما تسمع الصغيرة أصوات الضجيج الناتج عن التفحيط المجاور، حيث تجهش عندها بالبكاء الشديد من الخوف، ولا تنتهي هذه الحالة إلا بعد أن "تتقيأ"، مشيرة إلى أن صغيرتها كثيرا ما تستيقظ مذعورة، وتحديدا بعد صلاة الفجر بسبب التفحيط أشهر ممارسات المراهقين. وأوضحت أم عادل أنها تسكن مع أبنائها الأربعة، وأكبرهم سنا لم يتجاوز عمره 7 أعوام، وأن زوجها مسافر خارج المملكة في رحلة عمل، ولا يوجد لديها من يواسيها في مثل هذه الأوقات، أو حتى يخرج لنصح هؤلاء المراهقين الذين يمارسون هواية التفحيط المدمرة. ومن جهته، أكد إمام أحد الجوامع غرب الرياض أحمد الجافل، أن "الخطباء في المساجد يواصلون النصح عبر منابر الجمعة حول خطورة هذه الممارسات، والتحذير من تناميها واستفحالها في المجتمع، خصوصا في شهر رمضان، إلا أنهم لا يجدون تفاعلا من قبل هؤلاء الشباب الذين يستغلون أوقاتهم سلبا بإزعاج المواطنين". وأضاف أن سكان المنطقة أطفالا ونساء وشيوخا هم في نهاية المطاف ضحية تلك الممارسات الخاطئة والمتهورة، وليس بيدهم حيلة تجاه ذلك السلوك المتهور"، مشددا على أن التفحيط ظاهرة مزعجة تهدد أمن المواطنين والمقيمين، وأن الأبرياء هم الذين يدفعون ثمنها حينما تختلط دماءهم بدماء مرتكبي تلك الممارسات. واستشهد الجافل بعشرات الضحايا الذين وافتهم المنية جراء حوادث التفحيط في بعض مناطق المملكة، وخصوصا منطقتي الرياض، والقصيم اللتين زادت بهما هذه الحوادث المؤسفة مؤخرا، ولكن دون جدوى.