التقليد فن من فنون الكوميديا، يعتمد على الموهبة في تقمص الشخصية، خاصة إذا تم توظيفه التوظيف المناسب لخدمة المشهد الكوميدي. وهذا الفن لا يجيده إلا القلة، وإن كان الممارسون له كثر، وقد شاهدنا بعض الفنانين الموهوبين وقد برعوا في هذا الجانب، وتقمصوا شخصيات عامة بطرق فكاهية، وباتت تلك الشخصيات مشهورة جدا، ولعلنا نجد أن الفنان ناصر القصبي، من أبرز الموهوبين في تقمص الشخصيات لحد الاندماج، وما في شخصية "فؤاد" وشخصية "أبو علي" إلا مثال لما استطاع القصبي أن يجسده من كوميديا، تناقش قضايا هامة بلغة ناقدة مقبولة من جميع الأطراف. القصبي لا يمكن أن يسيء لأهل منطقة ما بتقليد شخصية "فؤاد" ولا لأهل منطقة أخرى بتقليد شخصية "الشيخ أبوعلي" لكونه يتقمص شخصية عامة، معتمدا على موهبته الفذة في التقليد، وحرصه الشديد على عدم الإساءة لمن ترمز إليهم تلك الشخصيات. ومع إيماننا المطلق بأهمية التقليد في الكوميديا، إلا أن الموهبة هي الفيصل في الموضوع، فتقليد الشخصيات بدون موهبة ينعكس سلبا على الموقف الكوميدي، حيث يغلب على المشهد ما يمكن أن نسميه "استهزاء" وليس كوميديا أو تقليدا بشكل احترافي، خاصة إن كان التقليد لشخصية معينة. وفي مسلسل "واي فاي" مشاهد كثيرة تعتمد على تقليد الشخصيات، وأغلب هذه المشاهد لم يوفق العمل في إخراجها بالشكل الذي يليق بالعمل الفني، ولا يجرح الشخصيات المستهدفة. سأتحدث هنا عن مشهدين فقط: أحدهما وفق فيه الممثل الذي يمتلك الموهبة وهو مشهد تقليد الفنان أسعد الزهراني للإعلامي داوود الشريان، فموهبة الزهراني في التقليد جعلت من المشهد عملا فنيا رائعا جسد الشخصية بكل احترام، وظهرت الموهبة بكل تفاصيلها، وكأن المتلقي يتعامل مع الشخصية ذاتها. أما المشهد الآخر، والذي لم يوفق فيه الممثل، هو تقليد الفنان حبيب الحبيب، للشاعر خلف بن هذال العتيبي، فالمشهد الذي غابت فيه موهبة الحبيب وقدرته على تجسيد الشخصية، غلب عليه "الاستهزاء" حتى بات غير مستساغ من المتلقي وخرج عن الهدف منه. وإن كان الهدف من المشهد هو النقد، فأعتقد أن إنتاج حلقة فنية من أجل نقد شخصية شاعر عرفه الوطن بمواقفه وقصائده الوطنية، مؤشر على الإفلاس في الأفكار الفنية، أما إن كان الهدف لا يتجاوز خلق موقف كوميدي ضاحك، لانتزاع البسمة من المشاهدين على حساب الآخرين، فالأمر مؤسف جدا. وينبغي أن توجه الكوميديا في رمضان إلى هدفها الحقيقي، المتمثل في نقد الظواهر نقدا بناء وإسعاد المشاهد بمواقف طريفة لا تمس شخصيات الآخرين ولا تسيء لهم.