أولئك الأشخاص الذي رُزِئت قلوبهم بفقد أحبتهم، وفارقوهم إلى الأبد. الذين يظنون أنهم أصبحوا وحيدين تماما أو أن خسارتهم أحبتهم لا يمكن تعويضها بأي حال من الأحوال، هم مخطئون جدا، فلطف الله سيحيط بكل القلوب المتعبة والحزينة والفاقدة لأحبتها. سيبعث الله لهم قلوبا تحتويهم وتنتشلهم من دياجير أحزانهم، وتحبهم وتتعاطف معهم كقلوب أحبتهم الذين فقدوهم، وستمتد أيادٍ حانية لطيفة لتربت على أكتافهم، وتشد على أياديهم، وتخبرهم بأن لله لطفا خفيا لا تدركه العقول في كثير من الأحيان. سيظل الله يبعث لتلك القلوب المواساة، أشكالا وألوانا، حتى تتجاوز عقبات حزنها الكؤود، وسيسخر الله رحمته لكل من هو في أمس الحاجة إليها بطرق لا تخطر لهم على بال. وحين تستولي مشاعر صعبة وموجعة على قلوب بعض البشر، فإن الله سيتدارك تلك القلوب بنسائم لطفه وحنانه، وفيض رحماته حتى تمتلأ بهجة وسرورا، وتتحرر من بطش الحزن والفقد والشعور بالوحدة والانكسار. رأيت مقطعا على «يوتيوب» لعامل توصيل بيتزا في أمريكا، لم يؤثر فيَّ وحسب، بل إنه قد لامس قلوب الملايين من مشاهديه حول العالم وبشدة، إذ ذهب العامل لتسليم بيتزا طلبتها إحدى السيدات، ولكن تفاجأ العامل والأم على حد سواء بأن طفل السيدة قد انطلق نحو الرجل وعانقه، مما أثار دهشة وضحك الأم، لأن هذه هي أول مرة يفعلها طفلها، وبعد أن غادر الرجل رأت السيدة أن المقطع رصدته كاميرا المراقبة حول منزلها، فقررت نشره على صفحتها في أحد مواقع التواصل الاجتماعي، وقالت إنه أسعدها هذا المقطع اللطيف، وتريد مشاركته مع الآخرين، وبالفعل شاهده الملايين، ومنهم العامل الذي أوصل إليها طلبها من البيتزا، واسمه «ريان»، الذي أرسل لها يشكرها على كلامها اللطيف، وأخبرها أنه يشعر بالسعادة، وأن ذلك الحضن والعناق الذي قدمه طفلها له هو أكثر ما كان يحتاج إليه، حيث إنه فقد ابنته ذات الستة عشر ربيعا قبل أسبوع بسبب وفاتها بمرض شديد الخطورة، وأنه كان يشعر في تلك الليلة بحاجة ماسة لعناقها، وعندما عانقه واحتضنه طفلها شعر بأن تلك مواساة من الله، وأن الله أرسل له ذلك الطفل ليمنحه الحضن الذي افتقده بعد وفاة ابنته. الأم أرسلت تعزية للأب، ووعدت بتوضيح ما حدث، ونشرت قصة الرجل، حيث قالت: «أنا أؤمن بالله، وأن ما حدث كان من ترتيبه ولسبب ما، وأن توصيل ريان البيتزا لنا لم يكن صدفة أبدا». كل القنوات التي نشرت المقطع وصفته ب«معجزة الله»، واعتبروه مواساة من الله لذلك الرجل المكلوم بفقد ابنته أخيرا. الجميل أنه حتى في الغرب، الذي يعزو معظم الأحداث للطبيعة والصدفة، أدرك أن وراء هذا الحدث المدهش لطف الله، وأنه مواساة سماوية كريمة أتت لقلب ذلك العامل في وقتها المناسب تماما، وأن ما حدث ليس صدفة ولا يمكن أن يكون صدفة. الله لا ينسى خلقه. علينا فقط الإيمان بأن ألطاف الله الخفية ستأتي في وقتها المناسب لنا، الذي نكون فيه في أمس الحاجة إليها.