في مكان يسمى عند سكان البادية «شقة البير»، تحيط به الرمال الذهبية لصحراء الربع الخالي، وتحديدا في مركز النقيحاء 125 كم شرق مدينة نجران، يقع منجز وطني عملاق بشكل هندسي دقيق، يتمثل في مشروع جلب المياه من الربع الخالي، بتكلفة تجاوزت النصف مليار ريال في مرحلته الأولى، والمرحلة الثانية التي تنفذها حاليا الشركة الوطنية للمياه، ليؤمن وفرة مياه الشرب العذبة على مدار ال40 عاما المقبلة، ويؤكد الثروات الطبيعية والكنوز الجيولوجية التي تزخر بها أكبر صحراء رملية متصلة في العالم، وفي مقدمتها المياه الجوفية. خزانات تجميع 3 ساعات استغرقتها جولة «الوطن» ذهابا وإيابا لزيارة مقر المشروع في النقيحاء عبر الطريق الدولي نجران- شرورة، ثم السير لمسافة 5كم على السهول الرملية المرتفعة، وصولا إلى الموقع في متكون الوجيد، حيث تم رصد أعمال حفر الآبار وتنفيذ خزانات تجميع ضخمة للمياه الخام، إضافة إلى محطة تنقية ومحطات لتقوية الضخ ومحطات توليد الطاقة الكهربائية التي تزود كافة مراحل المشروع بالكهرباء، كما وثقت «الوطن» الانتهاء من حفر أكثرمن بئر في الموقع وخطوط نقل المياه الخام، ومحطة المعالجة الرئيسية. فكرة المشروع رغم أن مشكلة سكان نجران مع ندرة المياه تعود إلى سنوات طويلة، فإنها تفاقمت بصورة كبيرة خلال العقود الماضية، نسبة لتزايد عدد السكان، وازدياد الرقعة السكنية والمناطق العمرانية. وبعد النهضة التي شهدتها كافة مناطق المملكة ازداد عدد السكان والمقيمين، مما أوجد حاجة ماسة لوضع حد لمشكلة شح المياه التي سببت أرقا كبيرا للجميع، ومن المفارقات المدهشة أن نجران التي عرفت منذ آلاف السنين بأنها أرض الآبار التي كانت تقصدها قوافل المسافرين من داخل وخارج المملكة للتزود بالمياه خلال رحلاتهم الطويلة، تغير حالها بسبب نضوب مياه كثير من تلك الآبار، والهدر الكبير الذي تعرضت له المصادر المائية بسبب استنزاف المياه في الزراعة التقليدية. إضافة إلى عدم الترشيد وسوء استخدام المياه الجوفية. بدء التنفيذ بدأ التنفيذ الفعلي لمشروع جلب المياه إلى مدينة نجران من الربع الخالي عام 2006، واستمرت أعمال الإنشاءات لمدة 4 سنوات بقيمة نصف مليار ريال، حتى بدأ الضخ التجريبي للمياه، السبت 11 رمضان 1431، لتشهد نجران انتهاء الأزمة. مكونات عملاقة يتكون المشروع من حقل للآبار، ويضم الحقل 17 بئرا، حُفرت وفق أحدث التصميمات الهندسية المعاصرة، بحيث يصل الإنتاج اليومي إلى 50 ألف متر مكعب من المياه، وبعد ضخ المياه من الآبار تُنقل عبر شبكة أنابيب بقطر 800 ملم بطول 125 كم، حيث تستخدم أربع محطات لتقوية ضخ المياه، وفي النهاية يتم إيصال المياه إلى محطة أبا الخريت (10 كيلو مترات جنوب شرقي نجران)، حيث تتم معالجتها وتنقيتها، ومن ثم يتم نقلها إلى خزانات التجميع، توطئة لضخها في الشبكة الرئيسية. التميز يستمد المشروع أهميته من أنه إضافة إلى وضعه حلولا عاجلة لمشكلة مياه الشرب، فقد تم حل مشكلة نقص المياه لأغراض الزراعة، وتشتهر نجران بأنها من المناطق التي يعتمد سكانها بدرجة كبيرة على الزراعة، حيث يعمل 60% من السكان في الزراعة، كما تشتهر المنطقة بوجود أعداد كبيرة من الماشية والحيوانات، لذلك وجد المشروع ارتياحا كبيرا من السكان الذين كانوا يجأرون بالشكوى من مشكلة شح المياه. الطاقة الإنتاجية تم التشغيل الفعلي لمشروع جلب المياه في المرحلة الأولى وبطاقة إنتاجية كثيفة، لشبكات وأشياب مدينة نجران ومحافظة خباش ومحافظة ثار، وبعض مراكز وهجر محافظة حبونا. مرحلة ثانية يجري حاليا تنفيذ المرحلة الثانية للمشروع بتكلفة 139 مليون ريال، تصل الطاقة الإنتاجية للمشروع 50 ألف متر مكعب يوميا، وتشمل هذه المرحلة حفر 15 بئرا أنبوبية بعمق 500 متر، وبطاقة إنتاجية تصل إلى 1000 جالون في الدقيقة لكل بئر، وتسعى شركة المياه لرفع كميات الضخ عام 2038، لتصل إلى نحو 180 ألف متر مكعب. من الأسباب التي أدت إلى ظهور مشكلة المياه في نجران عدم الاستفادة من مياه الأمطار، وارتفاع تكلفة التحلية من البحر الأحمر أو الخليج العربي، وصعوبة نقلها عبر أنابيب تمتد مئات الكيلو مترات، فبزغت فكرة جديدة تمثلت في جلب المياه من صحراء الربع الخالي عبر حفر آبار عميقة ونقلها بخط أنابيب قصير نسبيا، لتأمين احتياجات المياه.