الهروب من المفارقات لا يورث إلا ضعفاً، وجموداً، وعدم تصور للواقع. مشكلة العالم الإسلامي اليوم أن وسائله تتجاوز ثقافته بسنوات طويلة، فالفقيه الذي ما زال يحسب وقت دخول الصلوات المكتوبة "بالمِزْولة"، في زمن التقنية الحديثة، والحسابات الدقيقة، يعاني من مشكلة ثقافية تحتاج إلى إعادة نظر، ومناقشة. والمشكلة ليست في الثقافة الإسلامية، فالثقافة الإسلامية أجابت على الإنسان في زمن الحاجة التاريخية، والإسلام يبقى الدين الإلهي الكامل، الشامل، السائر مع التقدم، والتطور، مع التأكيد بأن هذا التطور، والتقدم لا ينبغي أن يمس أصل الدين، وإنما يساهم في تطور آليّات، ووسائل التعاطي مع مسائله وفق الإطار الشرعي. أين الخلل؟ يكمن الخلل في أن الثقافة الإسلامية سيرها بعضنا خارج الدرب التاريخي، ونحا بها منحى مخالفاً لما قامت عليه، فنحن لا نزال نُصِر على مجابهة الثقافة الإنسانية المتطورة، بوسائل متقادمة، كانت في عهد ظهورها ثورة معرفية. وما زلنا نقابل نظرية التطور، بنظرية الحلال والحرام، والتي هي الحجة، لكبت كل تقدم، وتطور مواكب للواقع. فالثقافة التي تريد أن تواكب عالم ثورة التقنية الحديثة، تحتاج إلى أن تكون ثقافة موازية لواقع الحياة الكائنة فيه، والنظر إلى أن الوسائل إنما هي سبل للوصول إلى الحكم السليم، مع الإبقاء على الثقافة السالفة، شاهدة على التاريخ الحضاري، والتراث الإسلامي. والبشرية لديها مكتسبات هائلة على كافة الأصعدة "والحكمة ضالة المؤمن"، فلنتعلم من هذه المكتسبات، ولنستثمر هذا النتاج المعرفي في غرس حب الدين في النفوس، وتقريبه للعامة، وتبليغه للعالم.