في بلادنا لا نعرف أو لا يعرف الكثيرون منا الجهود العظيمة التي يبذلها أبناء عمومتنا في المغرب العربي في سبيل نشر الثقافة العربية، ذلك أن الصلات الثقافية بيننا وبين مختلف الأقطار العربية تخضع لمؤثرات خاصة، والقسم الحبيب الغربي من بلادنا وهو ما نسميه باسم (المغرب) بعيد عنا من حيث المسافة وبعيد عنا من حيث الصلة، وبعيد عنا من حيث الحياة العامة، ولهذا فقل أن تجد بين مثقفي الجزيرة من يدرك أن هناك إخوة لهم يسهرون أتم السهر على التمسك بالتراث العربي القديم، يبرز أثره في النشر وفي التحقيق وفي الدراسة وفي التدريس، وأذكر من أنشط القائمين على هذا الأمر أستاذنا وزميلنا في (مجمع اللغة العربية) السيد محمد الفاسي القرشي الأندلسي المغربي، الذي يشرف الآن على توجيه الثقافة في هذا القطر العربي الشقيق، توجيهًا عربيًا ينبع عن محبة وعن إخلاص لأمته ولعروبته ولبلاده، ولعل أبرز ما يقوم به هذا العالم الجليل إحياء كل ما له صلة بأرضنا الطيبة منبع الوحي والعرفان، فقد عني أكثر ما عني بنشر الرحلات المغربية إلى البلاد الشرقية، وأبرز من ذلك حلقة تتكون من خمس رحلات، منها رحلتان خاصتان بالحجاز، تحدثنا عن أولاهما في الجزء الذي كان هذا الكلام فاتحة ملحقه، ثم رحلة ثانية هي «أنس الساري السارب من أقطار المغارب إلى منتهى الآمال والمآرب سيد الأعاجم والأعارب» لعالم جليل يدعى محمد بن أحمد القيسي السراج ويلقب بابن مليح قام بهذه الرحلة فيما بين سني 1040 و1042 ه ( 1630 -1633) ورغم أن العهد الذي قام الرحالة فيه برحلته كان عهد تبلبل فكري واضطراب ذهني، وخمود من حيث الاتجاه للأبحاث المركزة التي تقوم على أساس عميق من الإدراك والفهم، إلا أنه سجل معلومات ذات قيمة، قد تفيد الباحث، وقد تمده بشيء من المعلومات التي سجلت بطريقة من البساطة تتلاءم مع الحياة العقلية لهذا العهد، يضاف إلى ذلك أن هذه الرحلة التي دونها الرحالة كانت وليدة نسخة واحدة يعتورها الخطأ وافضطراب والنقصان، ومع أن المحقق البحاثة الجليل بذل الجهد، غير أن الجهد وحده يحتاج إلى عون، وهذا ما نراه مفقودا بالنسبة لهذه الرحلة. ونحن في مقام التحية والترحيب لا مقام النقد، ومن هنا كان لنا أن نقف ملاحظاتنا عن هذه الرحلة على أشياء تتفق مع ظروفها المختلفة ومع ما يجب أن نعبر به عن عميق إدراكنا لما بذله أستاذنا السيد محمد الفاسي في سبيل تحقيقه. معروف أن القرن الحادي عشر الهجري عصر ركود فكري في العالم العربي، وأبرز ظاهرة له ظاهرة التصوف، وهي ظاهرة أقرب إلى الخمول منها إلى الحياة، ولعل هذا أبرز ميزة تتصف بها هذه الرحلة، وندع الاسترسال في الحديث عن هذا الجانب، فهو أمر يوشك أن يكون عامًا في نختلف الأقطار العربية في ذلك العهد، ومن ثم فيحسن أن نمر على هذه الرحلة مر الكرام - كما يقولون - ضاربين صفحا عما زخرت به من أخبار مستفيضة عما يتصل بناحية التصوف. وناحية ما يتصف به أولئك المتصوفون ومن نحا نحوهم من صفات ندع تقديرها للمعنيين بذلك. 1 - ص 71 ثم لمقابر سيدنا شعيب. صوابها لمغاير سيدنا شعيب، وهذا هو الاسم الذي لا يزال معروفًا. وورد في كثير من الرحلات المشرقية بهذه الصفة. 2 - ص 71 القول بأن مغاير شعيب بناحية الشام صحيح، غير أن استدراك المؤلف ليس في محله إذ مغاير شعيب في شمال الحجاز المتصل بالشام. 3 - ص 72 ثم لماء الحورة صوابها الحوراء، أشهر ميناء عرفت في هذه الناحية قبل عهد الإسلام، وهو ميناء حل محله الآن ميناء صغير يدعى ( أم لج) وأثبتنا تحديدًا هذا الموضع في كتابات كثيرة. 4 - ص 72 النبط صوابها نبط بدون أداة التعريف، منهل لا يزال معروفًا بهذه الصيغة التي وردت في كتب المتقدمين. 5 - ص 72 قال إنه بعد سبع وعرات بأن نور النبي إلى آخر الجملة التي يجب تأخيرها إلى جملة ثم ( الينبوع) والينبوع صوابه ينبع، وهو بلاد واسعة، الفنا عنها كتابًا مطبوعًا حددنا فيه هذا الموضع، وذكرنا كل ما يتعلق به من النواحي التاريخية. 6 - أما القصائد الكثيرة التي حفل بها الكتاب ولم تنسب لقائليها، ففي المؤلفات الحجازية عن المدينة مثل مؤلفات السمهودي وغيرها ما يوضح المجهول منها. ثم إن المقام مقام تحية وتقدير وهذا يسلتزم الإيجاز باقصى حدوده، فننتقل إلى تحفة أخرى من تحف ذلك القطر العربي الحبيب. لقد كانت مجلة الثقافة العربية - حسبما قرأنا في عددها الأول - مصدرًا ذا أهمية كبيرة لمن يعنون بدراسة الثقافة في ذلك القطر، فشيخنا يتحدث عن نوع من الشعر يسمى الملحون، ويذكر عروضه ومصطلحاته، وهو نوع من الشعر لا يزال متداولا في وسط الجزيرة العربية وفي حجازها ويمنها، وفي شرقها وشمالها. ويأتي السيد علال الفاسي القرشي الأندلسي فيتحدث عن التصوف، وتلك ظاهرة شملت جنوب الجزيرة العربية وغربها بصفة لا تبعد عما عرف في المغرب. ويأتي الأستاذ الشيخ عبد الله بن كنون ليتحدث لنا عن أبي عمران الفاسي حديثًا نجد نفحاته طرية وقوية ومتشابهة أتم الشبه بكثير ممن عاش في عصره من المشارقة. أما حديث الأستاذ ابن شقرون عن توحيد الثقافة بين دول المغرب العربي فهو حديث اليوم وغدًا وبعد غد، في مختلف أنحاء الأقطار العربية. ويتحفنا الأستاذ محمد ابراهيم الكتاني بطاقة فكرية عن الإمام ابن حزم، وهي ما نجد روافدها قوية في مشرقنا العربي قوة تجعل من هذا الإمام منارًا يهتدى به.