لا شك أن الجنون مقدر على من فقد عقله بسبب الإفلاس من بعد الغنى إبان شروعه في المساهمات وما شابه، ولكن للجنون أسباب كثيرة. لا شك - أيضا - أنه لم يجن إلا باعتماده على تلك القناعة التي أسس عليها فكره أن المال كل شيء!، إذ كان يظن أن هذا الفكر مناعة له في كل شيء، فهذا الفكر جنون على سبيل المجاز قبل أن يكون حقيقة مفجعة. إن المناعة العقلية من الجنون - بعد لطف الله - تختصرها جملة في سطر واحد فقط: «لله ما أعطى وله ما أخذ وكل شيء عنده بأجل مسمى» وهي تقال عادة في أعظم مصيبة وهي الموت، فتهدئ ذوي المصاب، وتبث الطمأنينة والإيمان في صدر المتمعن في مفرداتها الربانية. ولا مصيبة أعظم من فقد الروح فيقال «المصاب جلل»، ولا مقارنة بين فقد إنسان وبين فقد الأموال، مع أنها كلها في ظل المصيبة، التي تتفاوت درجاتها، كما تختلف عناوين الأخبار من حيث الأهمية، فإن كثيرا من الأموال تصرف والآلاف من الناس يتجمعون لعتق رقبة واحدة، مهما كانت صفات الإنسان المعتق، والروح أغلى من المال - لا شك -. إن عدم تحصين الفكر بالوعي الصحيح قد يجر الإنسان إلى مصيبة أعظم من مصيبته التي حلت به، فالإفلاس أهون من الجنون طبعا. يجب على الإنسان مهما استتبت أموره وعاش الرفاهية أن يكون مستعدا لتغيرات الأيام وتقلبات الأحوال (وتلك الأيام نداولها بين الناس)، وقيل «الدهر يومان يومٌ لك ويومٌ عليك». وبما أن الاختلاف بين الناس واضح وجلي في الحالة الصحية الجسمية فلا شك أن أصحاب الأمراض المزمنة أكثر احتمالية في الإصابة بالأمراض العقلية في وقت الصدمات، إذ تشير أبحاث أجريت إلى أن «الأمراض المزمنة مثل: مرض القلب التاجي، ومرض السكر النوع الثاني يحتمل أن تشترك في آلية حيوية مع الأمراض العقلية». أن تتوقع الأسوأ - من غير تشاؤم - خير لك من أن تتحرى الأفضل دائما، من غير خلل في مسألة التفاؤل، فإن لهذه المعادلة ميزانا دقيق الشوكة، توزن فيه الأمور المستقبلية جميعها، مهما كبرت وعظمت، أو سرّت وأبهجت، بين كفة يحتمل فيها ثقل الأسوأ من غير تشاؤم، وكفة يوضع فيها الخفيف من الأفضل مع توطيد التفاؤل، فإذا فاجأتك الأتراح ووقع المحظور كانت مناعة العقل لها بالمرصاد، فيقلل من شأنها، لأنه على أهبة الاستعداد لأي أمر طارئ بتلك الدرع الحصينة، وإذا تهيأت الأفراح ووقع المأمول من المسرات كانت مفاجأة تملأ الأجواء بهجة أكبر من بهجة المتحري لها، أو المرجح حصولها على كل حال.