منية بشرية لكل مخلوق، يريد أن يعمّر، ويحنّ لسنّ القوة والشباب، ولو سألت أي إنسان هل تتمنى ذلك؟ وتحن إليه؟ لأجابك: نعم، والسؤال هنا ليس بالتحقق من وجود هذه الأماني؛ إذ هي شيء فطري، لكن السؤال الأهم: كيف يطيل المرء عمره؟ وكيف يحافظ على شباب جسمه وروحه ولو جرت به السنين؟ وبلغ الستين والسبعين؟ وسأجيب في هذا المقال على السؤال الأول، وأما السؤال الثاني ففي مقال قادم بإذن الله. لا شك أنّ أعمار البشر مقدرة ومحددة كما قال تعالى: «لكل أجل كتاب» ولكن كما قال بعض أهل العلم يربط الله إطالة عمر الإنسان بأسباب يعملها، فيطيل له عمره؛ من ذلك البر والإحسان وصلة الرحم؛ وقد ورد في الحديث قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه"، وينسأ أي يؤجل، وبعض أهل العلم يرى أن إطالة العمر المقصود به، البركة فيه، فكأن عمر الواصل الذي عاش 50 سنة أو 40، خيره مثل من عاش 70 أو 80 عاماً. ولو تأمل الإنسان التأريخ والسير بل والواقع، لوجد حقاً أن الواصلين لأرحامهم، والمتواصلين مع الناس، والمحسنين لهم والمتفاعلين معهم؛ هم أبرك الناس أثراً وأطولهم عمراً، ولذا قد يجتمع لمن يصل رحِمه بركة العمر وطوله. ويضاف لسبب "صلة الرحم" بإطالة العمر وبركته سبب: "التفاؤل" و "العطاء" والعمل وعدم الركون والكسل، ويلاحظ في القرآن الكريم والسنة النبوية دعوتهما لذلك، وقمة الفأل الدعاء وحسن الظن بالله "ولذا ورد في السنة من حديث ثوبان -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه» ففي هذا الحديث ارتباط وثيق بين أعمال العبد وأقدار الرب، فإذا عمل العبد الخير والبر والإحسان غدق رزقه، وزاد عمره وحلت فيه البركة، وهذا مروي في السير والقصص والأحداث، فأنس -رضي الله عنه- طال عمره بسبب خدمته وإحسانه للنبي -صلى الله عليه وسلم- فتأثر النبي لذلك فدعا له بعدما طلبت أمه ذلك: "اللهم أكثر ماله وولده وأطل عمره واغفر ذنبه"، قال أنس: فقد دفنت من صلبي مائة غير اثنين، أو قال: مائة واثنين، وإن ثمرتي لتحمل في السنة مرتين ولقد بقيت حتى سئمت الحياة وأرجو المغفرة، وفي رواية: حتى استحييت من الناس". ويرى الناس بأم أعينهم كيف يطول عمر الواصل المحسن، وكيف تحل البركة في حياته ورزقه وولده ويبقى ذكره، وقد شهدت الدراسات الحديثة لذلك، فأتت مصدقة للسنة ومؤيدة لها؛ فقد ذكر الكاتب روبرت سابولسكي في كتابه: "لماذا لا يصاب حمار الوحش بقرحة المعدة" عدداً من الدراسات حول المصابين بالأمراض المزمنة والخطيرة كالسرطان، وقد طبقت دراسة على مصابين بالسرطان؛ فلاحظ الباحثون أن الذين انعزلوا وتشاءموا وضعفوا، مات أغلبهم، أما الذين عملوا وتواصلوا، وتفاءلوا شفي معظمهم وطالت أعمارهم. ولذا صدرت توصيات عدة من هذه الدراسات بأن التفاؤل وحسن العلاقات الاجتماعية والعمل وعدم الانعزال من أسباب الشفاء، ولذا أتى في الإسلام الحث على العمل والإحسان والتفاؤل والصلة، مثل قوله تعالى: "وقل اعملوا" وقوله: "وأحسنوا"، وقوله: "ولا تيأسوا"، وقوله: "واصبروا"، وقوله: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى". أمّا ما يقصر العمر ويذهب بركته فهو البخل، والإساءة، والتشاؤم، والكسل، وسوء العلاقات الاجتماعية، وسوء الظن والتفكير بالهموم والمصائب دائماً، فتفاءلوا، واعملوا وصلوا اقاربكم وأحسنوا للناس تطل أعماركم ويبارك لكم فيها، وإلى لقاء آخر.