«إن العالم في حالة عدم يقين شديد حول ما هو قادم، ولكن مستقبلنا يعتمد على قرارات سنتخذها اليوم» مقولة تاريخية أصبحت لسان حال المسؤولين وصناع القرار، في ظل الأزمة الراهنة، فالقادم غير واضح، كما أن تداعياته هي الأخرى غير معروفة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والتقني والنفسي والتكنولوجي، هذا من جانب، أما الجانب الآخر فيتمثل في طرح التساؤل حول ما الأولويات التي يجب أن نركز عليها لضمان الوثبة المستقبلية، وأن ما حصل من تعثر اقتصادي وغيره لا يعدو عن أن يكون كبوة جواد سرعان ما سينطلق ليأخذ مكانه الطبيعي في مضمار السباق؟، ولكن هذا السباق لا بد أن تختلف قوانينه ومعطياته، حيث إن الوضع سيختلف لا محالة، من حيث نوع المضمار والتحديات التي أمامه. وعودا للمقولة التاريخية، نجد أن العالم قام في وقتنا الراهن بأخذ التدابير والإجراءات لتخفيف الأضرار الناجمة عن هذه الأزمة، فمنذ أن سجلت أول إصابة بمرض فيروس كورونا بالصين في ديسمبر من العام الماضي، دخلت دول العالم في صدمة، ما زال البعض يحاول استيعاب ما حدث وتحديد الأسباب، وأصبح العالم في دوامة مفاهيم المؤامرات أو الحروب الجرثومية، وأيا كان السبب، نلاحظ أن بعض الدول قامت بمحاولة لتخفيف الآثار التي نجمت وستنجم عن هذه الأزمة، فبحسب Forbes، Times York New، Reuters نجد أن في النرويج قدمت الحكومة 9.4 مليارات ضمانات للشركات، أما كوريا الجنوبية فقد قدمت الحكومة ما يقارب 40 مليارا لتمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة، أما نيوزيلندا فقد قدمت 7.1 مليارات حزمة للشركات ولمعالجة المُسرَّحين من العمال، وكل هذه المعالجات كانت بمثابة محاولة لامتصاص وتخفيف الصدمة كما ذكرنا، لكن هل هذه القرارات مكتملة الأركان، مستندة على براهين لبناء مستقبل؟ أم أنها إدارة أزمة فقط؟ في اعتقادي هناك خطوات ومحاور أعتبرها بمثابة ضرورة يجب وضعها في عين الاعتبار عند عملية إنعاش دورة الحياة، وعند اتخاذ القرار، تتمثل في عدة محاور يتم من خلالها النهوض وهي: تحديد أكثر القطاعات تضررا وقياس مستويات الضرر من خلال الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية. أما المحور الثاني: فهو تحديد الأولويات المجتمعية المرتبطة بأولويات الدعم وإعادة بناء هندسة الاحتياجات المجتمعية، مع التركيز على جيل النشء، وتقديم الاحتياجات مقابل الكماليات، والإنتاج مقابل الاستهلاك كقيم للمجتمع. أما المحور الثالث فهو تهيئة الرأي العام لتبني السلوك والنمط الجديد والبدائل الإستراتيجية من خلال بناء إستراتيجية متوازنة بين التغيير والتطوير لتجنب الأزمات التي قد تحصل، وبناء نموذج إستراتيجي. أما المحور الرابع والذي في اعتقادي أنه الأهم، فهو دعم مراكز الدراسات والأبحاث والمفكرين بالأدوات والمختبرات والخبراء والكوادر، والتركيز على الدراسات الاستشرافية التي تستطيع إلى حد كبير قراءة الأرقام والتنبؤ بالمستقبل من خلال معطيات إحصائية، وخبرات تراكمية، وإن تبني سياسات وقرارات مبنية على البراهين وعلى التجارب والتي يمكن أن توظفها لتختصر لنا الزمن، فالمعركة مع هذا الوباء أو غيره لا يمكن أن تخرج منها منتصرا إلا بسلاح المعرفة والبحث، وليس بالقرارات التي لا تستند إلى الحقائق أو البراهين.