على مدى العقدين الماضيين تقريبا غيّر وجود مجموعة متنوعة من القوات العسكرية والأمنية التابعة للدولة وغير الحكومية منطقة البوكمال الحدودية السورية ومنطقة القائم العراقية المجاورة، لتكون نقطة جذب للصراع، حيث تتنافس الجهات الحكومية العراقية والسورية مع الميليشيات المدعومة من إيران على النفوذ والسلطة. حين قضت قوات التحالف الدولي على خلافة داعش التي نصبت نفسها في المنطقة، بدأت الميليشيات المدعومة من إيران تلعب دورا رئيسا في المنطقة، وحولتها إلى نقطة اشتعال بين إيران وحلفائها من جهة، وقوات المعارضة لسورية تحت غطاء مواجهة الولاياتالمتحدة وإسرائيل. يقول تقرير لمركز كارنيجي إنه بعد هزيمة داعش أعادت سورية والعراق فتح معبر القائم - البوكمال رسمياً أوائل أكتوبر 2019، ومع ذلك، فإن وجود المجموعات المدعومة من إيران في المنطقة جعل الحدود نقطة لإسقاط النفوذ الإقليمي الإيراني ونقطة المواجهة بين طهران وخصومها. وأدت عسكرة الحدود ووجود الدولة والجهات الفاعلة غير الحكومية إلى طمس الخطوط الفاصلة بين المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، مع تجريد معظم سكان البوكمال والقائم من السلطة لإدارة شؤونهم الخاصة. عندما بدأت الانتفاضة السورية عام 2011، انعكس تدفق المقاتلين، وبدأ المتشددون يدخلون سورية من العراق، وبحلول صيف عام 2014 سقطت المنطقتان الحدوديتان في أيدي داعش، وتحولتا إلى أحد معاقله لتشكيل دولة فوق وطنية عبر الحدود العراقية السورية، فيما يسمى «ولاية الفرات»، ودمجت منطقتي البوكمال والقائم في وحدة إدارية واحدة، وأزيلت الحواجز التي فصلت بينهما لما يقرب من قرن. أهمية يقول المركز إن أهمية المنطقة تكمن في أن القائم والبوكمال هما شريانان إستراتيجيان رئيسيان بين دمشقوبغداد، وإن المسافة القصيرة التي تفصل ضواحي المدينتين (القائم والبوكمال) حوالي 7 كيلومترات، تجعلهما أقرب مناطق مأهولة بالسكان على جانبي الحدود، فضلاً عن التشابه والتواصل بين المجتمعات، ومعظمهم من العرب السنة ولديهم روابط قبلية وعائلية. كما أن المنطقة تقع بالقرب من نهر الفرات وتحتوي مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية المحيطة بالقائم والبوكمال على أكثر الأراضي خصوبة بالقرب من الحدود، مما يوفر إمدادا غذائيا يكفي ذاتيا وطرقا سرية لشبكات عبور الحدود للجهات الفاعلة غير الحكومية بما في ذلك المتمردين والمهربين. وتكمن الأهمية الثالثة في أن هذه المنطقة باتت أخيرا المكان الرئيس الذي تم فيه نشر الجماعات المدعومة من إيران على جانبي الحدود، في مناطق متداخلة مع مختلف الجهات الحكومية السورية والعراقية والجهات غير الحكومية، حيث تسعى إيران إلى تأمين طريق بري يمتد من حدودها مع العراق إلى منطقة البحر الأبيض المتوسط. طرد داعش بعد طرد داعش في الأول من أكتوبر 2019 أعادت سورية والعراق فتح معبر القائم - البوكمال لاستعادة قدر من الحياة الطبيعية أثناء تنظيم وتوسيع التجارة عبر الحدود، ما جعل المنطقة أكثر أهمية بالنظر إلى أن المعبرين الحدوديين الرسميين الآخرين على الحدود - معبري التنف ورباع اليروبية - لا يزالان مغلقين. ظهرت في أعقاب ذلك، تكوينات جديدة للسلطة وإدارة الحدود، تتميز بترتيبات أمنية متغيرة وهجينة تشمل مختلف الجهات الحكومية وغير الحكومية والباردة على طول الحدود، وفي القائم والبوكمال تلعب الحدود اليوم دوراً إقليمياً أوسع، يسمح لإيران بإظهار نفوذها في سورية ولبنان ويوفر قناة للميليشيات الموالية لإيران التي تتحرك بين العراق والشام. ويقدر عدد سكان القائم بنحو 190 ألف نسمة، وعلى مدى أكثر من ثلاث سنوات قضوها تحت سلطة داعش كان بإمكان سكان القائم والبوكمال عبور الحدود دون جوازات سفر أو تصاريح خاصة أخرى للانخراط في تجارة صغيرة أو زيارة الأطباء، أو شراء منتجات محلية من سوريين سافروا إلى البوكمال أو دير الزور لبيع بضاعتهم، فيما استخدم تنظيم داعش تكنولوجيا بدائية لاستخراج النفط وتكريره وبيعه. غير أن طرد داعش من القائم عام 2017، وهزيمته النهائية في باغوز عام 2019 أدى إلى نشر عدد من القوات العسكرية وشبه العسكرية في منطقة القائم - البوكمال الحدودية، معظمها ميليشيات لها علاقات وثيقة مع إيران والحرس الثوري، ما جعل المنطقة الحدودية ممرا لإيران، تظهر عبرها نفوذها الإقليمي. عسكرة المنطقة على الرغم من أن مجموعة من الوحدات العسكرية التابعة للدولة وغير الحكومية وشبه الحكومية اجتمعت لمحاربة تنظيم داعش، إلا أنها جميعها تسعى لتحقيق مصالحها السياسية والعسكرية والاقتصادية على وجه الخصوص، وبات التنافس على النفوذ بين قوات المعارضة والولاياتالمتحدة وحلفائها وإيران وحلفائها عاملاً أساسياً في تشكيل حقائق ما بعد داعش في المنطقة. هذه المنافسة واضحة في الغالب في نشر الميليشيات المدعومة من إيران في القائم والبوكمال، مما يعكس التفتت المستمر للسلطة والعسكرة في المنطقة، فالميليشيات الرئيسية العاملة في القائم هي كتائب حزب الله التي تسيطر على الطريق بين القائم وعكاشات إلى الجنوب الغربي، وكتائب الإمام علي سرايا الخراساني، لواء المنتظر، وكتائب أنصار الحجة، جميعها مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني ويمتد الربط إلى حزب الله اللبناني. وعلى النقيض من ذلك، تنقسم البوكمال بين قوات سورية الديموقراطية ونظام الأسد، لكن الميليشيات المدعومة من الحرس الثوري الإيراني تحتفظ أيضا بوجود مكثف في المدينة، بينما تسيطر قوات النظام على الجانب الشامية وبعض القوات الروسية، فيما تنتشر في بعض أحياء البوكمال مراكز للميليشيات المدعومة من إيران، أبرزها كتائب حزب الله وحركة العبد، وحركة النجباء، والزينبيون، وكتائب الإمام علي، وعصائب أهل الحق، إضافة إلى ميليشيا فاطميون «مقاتلون أفغان». ضعف السيطرة لم تعد الحدود السورية العراقية حقا سورية أو عراقية بكل ما تعنيه الكلمة، بعد أن قامت جهات فاعلة مختلفة بتهميش السكان المحليين، ما أعاد صراع تشكل المنطقة الحدودية وفقاً لمنطق السيطرة العسكرية والأمنية، بغض النظر عن احتياجات أو رغبات الذين يعيشون فيها. ويقول التقرير إن كتائب حزب الله حولت مساحة كبيرة من الأراضي الزراعية على الجانب الجنوبي من القائم إلى منطقة عسكرية، رافضة السماح للمزارعين المحليين باستخدامها، رغم أن حوالي 40% من السكان يعتمدون على الزراعة في معيشتهم، فيما أصبح نشر العنف أداة أساسية لتحقيق الأرباح، مع ارتفاع معدلات البطالة وتزايد عسكرة الحكم والاقتصاد، وانتشار الابتزاز. كما أثار وجود الميليشيات المدعومة من الحرس الثوري الإيراني مخاوف بشأن التوترات الطائفية المتزايدة في منطقة ذات أغلبية السنية، ما ينبئ بعودة داعش، في ظل السيطرة وقمع الميليشيات للسكان الأصليين. الآثار الإقليمية أدى وجود نظام أمني مختلط في المنطقة الحدودية، مع نشر قوات الأمن الرسمية بالقرب من الميليشيات، إلى خلق حالة غير مستقرة، في حين تؤثر المنافسات الجيوسياسية الإقليمية المهيمنة بما فيها محاولات الولاياتالمتحدة وإسرائيل ضد إيران، تأثيراً كبيراً على ديناميكيات الحدود، لتصبح منطقة القائم - البوكمال الحدودية في مرحلة إعادة تشكيل جيوإستراتيجية تتنافس فيها إيران وحلفاؤها من أجل نفوذ أكبر. دعم إيران الأخير لمعارك الحكومتين السورية والعراقية ضد خصومهما المسلحين عزز علاقات طهران مع البلدين، ودفع الحرس الثوري لبناء وتوسيع شبكة من المجموعات شبه العسكرية عبر الحدود الوطنية تشمل مقاتلين من أفغانستانوالعراقولبنان وسورية حاربوا إلى جانب القوات الحكومية العراقية والسورية ضد داعش. ويرى المركز البحثي أن إيران تحتفظ بعدة أهداف لنشر الميليشيات حول القائم والبوكمال، أبرزها أنها مهتمة بحرمان داعش من فرصة إعادة تشكيل نفسها في المناطق الطرفية للعراق وسورية، وتأمين ممر بري لربط مناطق النفوذ الإيراني في العراقولبنان وسورية لمراقبة حركة الأشخاص والأسلحة والبضائع عبر الحدود. كما ترغب طهران في عرقلة محاولات الولاياتالمتحدة وحلفائها استخدام المنطقة الحدودية - حيث تقيم المجتمعات العربية السنية التي غالباً ما تضمر المشاعر المعادية لإيران - كقاعدة لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، إلى جانب حاجة إيران إلى الاحتفاظ بالقدرة على تعزيز حزب الله عسكريا في لبنان، وربما نشر ميليشيات أخرى مدعومة من الحرس الثوري الإيراني في بلاد الشام في حالة نشوب صراع مع إسرائيل من لبنان أو سورية. في الوقت الذي تسعى طهران وحلفاؤها إلى ربط منطقة القائم - البوكمال الحدودية بشبكة أوسع من الجماعات الموالية لها، تركز كل من بغدادودمشق على إعادة تأكيد سلطاتهما القانونية على الحدود، كما أن الوجود الأمريكي القريب ونفوذ روسيا يضعان قيودا إضافية على قدرة إيران على تكملة مشروعها، خصوصاً أن اغتيال قائد فيلق القدسالإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي أبومهدي المهندس خلق فراغا في الهياكل القيادية للميليشيات. أهمية البوكمال والقائم الجيوسياسية الإقليمية هما شريانان إستراتيجيان رئيسيان بين دمشقوبغداد يرتبط أهلهما بروابط قبلية ومعظمهم عرب سنة تقعان بالقرب من نهر الفرات وتتميزان بخصوبة أراضيهما تحتويان على موارد طبيعية مثل الغاز والنفط من يسيطر عليهما يظهر نفوذه في العراق وسورية وصولا إلى لبنان ماذا تريد طهران وميليشياتها من البوكمال والقائم احتواء المجتمعات العربية السنية التي تحمل مشاعر معادية لإيران حاجة إيران إلى الاحتفاظ بالقدرة على تعزيز حزب الله عسكريا في لبنان دعم الأنشطة العابرة لشبكات الحرس الثوري في لبنانوالعراق وسورية تأمين ممر بري لربط مناطق النفوذ الإيراني في العراق وسورية ولبنان مراقبة حركة الأشخاص والأسلحة والبضائع عبر الحدود عرقلة محاولات الولاياتالمتحدة وحلفائها استخدام المنطقة الحدودية