من الطبيعي أن تفكيرك سيذهب عندما تقرأ أو تسمع عن أسماء شعرية وثقافية على مستوى العالم العربي من وزن أبو القاسم الشابي ومحمد حسين زيدان وسعد البواردي إلى أن هناك دراسة أدبية أو فعالية ثقافية تجرى في مكان ما، أو على الأقل قد تجزم أنها مسميات لقاعات أكاديمية أو مسارح مؤسسات ثقافية من مبدأ تخليد ذكراهم وتكريمهم وتعريف الأجيال الجديدة بما أنجزوه. لكن هل ستصدق لو قيل لك إن هذه الأسماء جمعت وبشكل لافت في مكان واحد لا علاقة له لا بالأدب ولا الشعر ولا الفن، ولا تسمع فيه إلا الطرق على الحديد وزئير الشاحنات وبقايا المناظر المؤلمة لحوادث السيارات.. هذا ما يحدث بالفعل في منطقة نجران، حيث يحتل اسم الشاعر التونسي "أبو القاسم الشابي" ملهم الثورة وصاحب البيت الشهير: إذا الشعب يوما أراد الحياة/ فلا بد أن يستجيب القدر، مكانا بارزا في مدخل ورش إصلاح السيارات والحدادة ب"صناعية نجران" ليكون اسما للشارع الداخلي المؤدي لتجمع الورش. أما شارع الأديب السعودي الراحل محمد حسين زيدان والذي كتب خطأ (محمد حسن زيدان)، فهو الشارع المقابل لشارع الشابي، في لقطة نادرة قد لا توجد في مكان آخر. وربما لأن من قرر وضع اسمي الشابي وزيدان في "الصناعية" لا يدرك من هما؟، وماذا يعنيان في الأدب والثقافة العربية؟ فإنه أراد تأكيد الهدف الأسمى من جمع موسيقى "الطرق" على السيارات بموسيقى الشعر الذي أبدعه هذان العلمان، بإضافة اسم شاعر سعودي آخر ما زال حيا يرزق، هو الشاعر سعد البواردي، إلى أسماء الشوارع "الأدبية" في "صناعية" نجران. ويبرز اسم "البواردي" على شارع آخر ضمن المكان نفسه ليكون بداية لمسار داخل دهاليز ورش "طرق الحديد" وتعديل ما أفسدته حوادث الطرق. ولعل ما ميز "البواردي" عن غيره هو أن الورشة التي تقف شامخة خلف اسمه تحمل اسم "الشارقة" وهي اسم إمارة معروفة في خدمة الأدب العربي. الاستغراب كان باديا على وجه أحد المارين من عمالة "الصناعية"، وهو من جنسية عربية، فعند التقاطي لصور هذه اللوحات التي تحمل أسماء الشوارع، بادرته بالسؤال إن كان يعرف من هو "محمد حسن زيدان" كما في اللوحة المكتوبة، فلم يرد سوى بابتسامة توحي بأنه يشك في قواي العقلية، ثم غادر المكان بسرعة، ولم أنتبه له إلا وهو يتجاوز لوحة شارع "أبو القاسم الشابي" منطلقا باتجاه شارع "سعد البواردي". الطريف أنه لا بد لمن يعرف هذه الأسماء الأدبية التي حملتها شوارع الصناعية أن يتذكر بعض مؤلفات زيدان ك"ذكريات العهود الثلاثة" و"سيرة بطل" و"تمر وجمر" و"حصاد عمر وثمرات قلم" و"العرب بين الإرهاص والمعجزة"، ويسترجع بعض قصائد الشابي ك"إرادة الحياة" و"إلى طغاة العالم" و"عذبة أنت" التي غناها الفنان محمد عبده، ولكن لن يتمكن من الاستمتاع بهذه الذاكرة في ظل إزعاج "الصناعية". ولا يستطيع من يعرف البواردي إلا أن يعود إلى دواوينه ك"أغنية العودة" و"أغنيات لبلادي" و"قصائد تتوكأ على عكاز" و"صفارة الإنذار" و"إبحار ولا بحر".