إذا كان امتلاك مسكن حلماً بالنسبة إلى كثير من المواطنين، فإنه لم يعد كذلك بالنسبة إلى الموظفين في مدينة الجبيل الصناعية إذ حوّلت هذا "الحلم" إلى واقع ملموس في حياة موظفي الهيئة الملكية والشركات الصناعية الكبرى، حيث تشهد المدينة أكبر قفزة سكنية على مستوى الشرق الأوسط ببناء نحو 10 آلاف وحدة سكنية خلال السنوات ال4 المقبلة بدأت بشائرها منذ مطلع العام الماضي 2011، باكتمال أكثر من 700 وحدة في حي جلمودة، والعمل جار على استكمال مثلها خلال العام الحالي 2012. كما بدأ كل من الشركة السعودية للصناعات الأساسية "سابك" والشركة السعودية العالمية للبتروكيماويات "سبكيم" وشركة مرافق الكهرباء والمياه للجبيل وينبع "مرافق" وشركة نماء للبتروكيماويات، والشركة الوطنية لتصنيع البتروكيماويات "تصنيع" والشركة المتقدمة للبتروكيماويات "المتقدمة"، في تطوير أحيائها السكنية في جلمودة ومردومة بهدف إنشاء وحدات سكنية تؤول ملكيتها للموظف بسعر الكلفة دون ربحية. وقال رئيس الهيئة الملكية للجبيل وينبع الأمير سعود بن عبدالله بن ثنيان في تصريح سابق ل"الوطن"، إن الهيئة الملكية نجحت بفضل توجيهات القيادة الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله، في إنشاء شراكة تنموية مع القطاع الصناعي لبناء وحدات سكنية شريطة أن تؤول ملكيتها للموظفين بدون ربحية وبسعر التكلفة. وبدأت الهيئة في تسليم الأراضي لمقاولي الشركات لتطويرها قبل نحو عامين وبدأ البناء فور اكتمال عمليات تطوير البنية التحتية للخدمات، على أن تبيعها الشركات لموظفيها وفق نظام التمليك دون تكليف الموظف أي أعباء أخرى أو ربحية للمقاولين. ويأتي هذا بالتزامن مع مرحلة إنشاء الجبيل 2 التي فاق طلب الاستثمار عليها نسبة 150%. تحقيق الرخاء وقال الرئيس التنفيذي لشركة "مرافق" المهندس ثامر الشرهان ل"الوطن"، إن الجبيل الصناعية تمثل حلم القيادة في تحقيق الرخاء للوطن والمواطن، وتأتي هذه الاستراتيجية استجابة للدعم المنقطع النظير لهذا المشروع من قبل رئيس الهيئة الذي دعم توجه القيادة لهذه القفزة السكنية الحضارية الكبرى على مستوى العالم التي تعتبر الشركات أكثر المستفيدين منها وليس الموظفين. فتوفير السكن للموظف يحقق الاستقرار الوظيفي وولاء الموظفين للشركة والذي يؤدي بدوره إلى زيادة الإنتاجية، وارتفاع الربحية، وتحقيق التنافسية على مستوى العالم. فشركة "مرافق" كنموذج، ستبني أكثر من 260 وحدة سكنية في الجبيل يتم تسليمها خلال 3 أعوام وفق ما هو مخطط له. ومن جانبها أبرمت الشركة السعودية العالمية للبتروكيماويات "سبكيم" مع شركة إس تي إكس السعودية للإنشاءات المحدودة عقد بناء 354 وحدة سكنية لموظفيها في حي جلمودة، إضافة إلى إنشاء مركز ترفيهي وقاعة أنشطة، ومركز للتسوق، ومسجد. على أن يكتمل بناء المساكن خلال السنوات ال3 القادمة. بيئة مناسبة وذكر رئيس المشاريع والخدمات في "سبكيم" المهندس عبدالرحمن بن عبدالكريم السيف أن المشروع يستهدف تحقيق رؤية الشركة والتزامها برسالتها وقيمها لموظفيها، واستمراراً للمميزات التي تقدمها لتوفير البيئة المناسبة لموظفيها، وتحقيق الاستقرار الوظيفي لهم. وأضاف: هيأت سبكيم البنية التحتية لهذا المشروع حيث انتهت من المرحلة الأولية بينما سيتم إنهاء المرحلة الثانية من البنية التحتية قبيل نهاية عام2011 وشملت مرحلة تهيئة البنية التحتية التمديدات والطرق والإنارة والتشجير. مشروع ضخم ورأى عضو مجلس الشورى السابق والمحلل الاقتصادي إحسان أبو حليقة في حديث إلى "الوطن"، أن هذا المشروع الضخم يعتبر امتدادا للنجاحات التي تحققت في الجبيل1 على مدى السنوات ال30 الماضية، فالجبيل الصناعية صرح اقتصادي صناعي ضخم، استثمرت فيها أكثر من 400 مليار ريال، وأسهمت ولا تزال في نمو الصادرات البترويكماوية السعودية للعالم، ما يتطلب الاستمرار في التوسع والنمو الإسكاني بها دعما للمشاريع القائمة، مما يعزز قابلية وجذب للاستثمارات المستقبلية محليا وعالميا، ويحقق استقرارا للعاملين بها، وتحقيق تنمية اجتماعية في مجالات الصحة والتعليم، والترفيه، والاستثمار التجاري الأمر الذي ينعكس إيجابيا على الاقتصاد المحلي، معززا ذلك بإلإدارة الشاملة والناجحة للهيئة الملكية للوفاء بمتطلبات المرحلة القادمة في إعداد الكثير من البنى المساندة لنجاح المدينة على المستوى العالمي، وبالتالي زيادة الناتج المحلي". دعم الاستقرار من ناحيته قال المحلل الاقتصادي فضل البوعينين ل"الوطن": لا يمكن أن تقوم وتنجح المدن الصناعية دون أن تحصل على دعم من الناحية السكنية، والاجتماعية التي تضمن تحقيق الاستقرار الوظيفي، والأمان الاجتماعي والأسري حيث يتوفر للأسرة كافة احتياجاتها الحياتية، وقد نجحت استراتيجية الهيئة الملكية في ذلك من خلال توفير بنية تحتية قوية جدا في مجالي الصحة والتعليم حيث حظيت المدينة الصغيرة نسبيا بإنشاء 5 مؤسسات أكاديمية ممثلة في 3 كليات جامعية، ومعهدين متخصصة في خلق مخرجات ذات جودة عالية للقطاع الصناعي ومجالات العمل في السوق السعودية". ويضيف البوعينين: "ألزمت الهيئة الملكية القطاع الصناعي ببناء وحدات سكنية لموظفيه وفق نظام التمليك بدون ربحية وبسعر التكلفة، وهذا يحقق أهدافا رئيسة هي: تحقيق التنمية الشاملة، وتشجيع الاستثمار، وتمكين الموظف من امتلاك منزل العمر في منطقة ذات مواصفات عالمية كالجبيل الصناعية. وهذا ما دفع الخريجين لتفضيل العمل في القطاع الصناعي في الجبيل على ما سواها، فأصبح توفير السكن هدفا للموظف يحقق له الاستقرار الوظيفي وبالتالي ربحية الشركة مما يحقق علاقة استراتيجية بين المنشأة والموظف والسكن. كما أن التنمية الصناعية تنبثق عنها تنمية اقتصادية في البيئة المحيطة بالشركات الصناعية الكبرى، مما سهّل عملية إنشاء صناعات أخرى ذات علاقة بالصناعات الأساسية. ورأى أن هذا ما كان ليحدث لولا القفزة الصناعية والسكنية التي شهدتها الجبيل في الماضي وتعيشها حاليا. وتابع البوعينين: "على سبيل المثال لا الحصر فإن شركة مصفاة أرامكو داو كيميكال "صدارة" متخصصة في التكرير والبتروكيماويات ستتيح الفرصة لإنشاء صناعات جديدة تعتمد على منتجات "صدارة" مما يعني بالضرورة تحقيق تنمية صناعية شاملة، تخلق الكثير من الفرص الوظيفية وهذا من أهم الأهداف الاقتصادية للجبيل. ما يؤكد نجاح تجربة الهيئة الملكية بكل المقاييس في إدارة المدن الصناعية ما أعطاها الأحقية والأفضلية في إدارة رأس الخير التي من المتوقع أن تشهد قفزة صناعية مشابهة للجبيل الصناعية التي يأمل الجميع أن تقتبس منها بقية مدن المملكة هذا النجاح وتطبقه في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة.