رغم الصرامة التي اتسمت بها لغة رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الدكتور عبداللطيف آل الشيخ، وهو يوجه رؤساء الهيئات الفرعية بعدم استغلال السلطة، إلا أن ذلك لم يمنعه من أن يجهش بالبكاء لدى استذكاره توجيه خادم الحرمين حينما نبهه بقوله "إياكم والإضرار بالمواطن وإيذاءه، ارحموا من وقع في خطأ، وتجاوزوا عمن اشتبه فيه". وشدد آل الشيخ أمس في حديثه للأعضاء على خمسة خطوط حمراء لا ينبغي التجاوز فيها، في الوقت الذي حذر فيه من الترويج للكتب المسيئة ضمن ما يوزعه الأعضاء في المرافق العامة، فيما حثهم على كسر حاجز خوف المجتمع من الهيئة. وفيما وجه آل الشيخ بعدم قصر الاحتساب على الدعوة لأداء الصلاة، أبدى استياء من تصرف العناصر التي تعاملت مع ما بات يعرف بقضية "فتاة المناكير"، داعيا الميدانيين ألا يكونوا كبش فداء للمتصيدين، لأن هناك من استغل القضية بالإساءة إلى المملكة. وأطلق رئيس هيئة الأمر بالمعروف تحذيرات مشددة من ترويج الكتب التي تؤلب على أمن واستقرار البلد، أو تدعو إلى الخروج على ولاة الأمر. وفي موضوع آخر، أكد آل الشيخ أن هناك من يضخم القضايا الخاصة بجهاز الهيئة. وفيما أكد آل الشيخ أن لديه قناعة بأن الأعضاء "ليسوا ملائكة"، إلا أنه شدد على أهمية البعد عن التشفي بالأمر بالمعروف، واتخاذ أسلوب جديد في التعامل مع المواطنين، وكسب مودتهم وثقتهم وكسر حاجز الخوف لديهم. ------------------------------------------------------------------------ لم يتمالك رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الدكتور عبد اللطيف آل الشيخ نفسه من البكاء حينما استحضر أمام رؤساء الهيئات الفرعية بمنطقة الرياض لقاءه الأول بخادم الحرمين لدى تكليفه بمهام عمله رئيساً للهيئة، وقال "أشعرني خادم الحرمين الشريفين بعظم المسؤولية.. وقال لي :(أنت ستتولى جهازاً من أهم الأجهزة لدي وأخطرها، عليكم أن تأمروا بالمعروف بحكمة، وفق ما كان يأمر به محمد بن عبدالله، وصحابته)، ثم أتبع ذلك بتحذيري قائلاً (إياكم والإضرار بالمواطن وإيذائه، ارحموا من وقع في خطأ، وتجاوزوا عمن اشتبه فيه، ابدوا النصيحة)، ثم أشار بيده قائلاً (أما الثوابت في الدين فهي خطوط حمراء لا أقبل تجاوزها، ولا أرضى لكم أن تتجاوزوها، وإذا كانت المعصية ظاهرة وخالفت ثابتاً من ثوابت الشرع، فلا بد أن تؤدوا أمانتكم وستسألوا عنها يوم القيامة، فالمسؤولية عظيمة)". وأتبع آل الشيخ تلك الحادثة موجهاً حديثه لرؤساء الهيئات قائلاً "أوصيكم ونفسي بتقوى الله، وأن تؤدوا الأمانة بشكلها الشرعي، وإن لم نحاسب في الدنيا، فسنحاسب في الآخرة، ويجب أن نمتزج بأبناء المجتمع وأبناء الوطن، فهم إخواننا، وأخواتنا، وجيراننا، وأصدقاؤنا، لابد أن نكون نحن وإياهم في قارب واحد، ونقابلهم بالابتسامة الحسنة، ويتوجب علينا مساعدتهم بما نستطيع، ودفع الأذى عنهم، وألا نشنعهم، ونضربهم، ونسيء إليهم أو نؤذيهم". حديث آل الشيخ لرؤساء الهيئات الفرعية بمنطقة الرياض، لم يخل من الشفافية والصرامة في آن واحد، ففي الوقت الذي حذر فيه من مغبة سوء استخدام السلطة، شدد بالمقابل على ضرورة تغليب حسن الظن في التعامل، وقال "إن عمل الهيئة لا يقتصر فقط على مراقبة الناس أوقات الصلاة". فتاة المناكير واستعرض رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الحادثة التي عرفت ب"فتاة المناكير"، مشدداً على ضرورة احتواء من يقع في المعصية، وعدم تشنيعه والإساءة إليه وقال "لقد أساءني ما حصل ورأيتموه في (اليوتيوب)، وتألمت جداً جداً"، ثم وجه للحاضرين تساؤلاً بقوله "أسألكم بالله لو كانت هذه ابنة أحدكم، وحصل لها ما حصل فما هو شعوركم، وما هو موقفكم؟!"، ووصف رئيس الهيئات الحادثة بالمصيبة، مشيراً إلى أنها ضخمت أكثر مما ينبغي، وبولغ في استغلالها بشكل سيئ للإساءة ضد المملكة، من فئات وصفها بأنها تعمل ضد الهيئة، وتحاول التأليب عليها، وتصطاد في الماء العكر، وقال "إنهم يعملون ضد جهاز الهيئة، ومنسوبيها". ووصف رئيس الهيئة تعامل الأعضاء مع الفتاة بأنه خروج عن شعيرة الأمر بالمعروف، وأضاف بقوله "لقد شنعنا بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وعاد ليؤكد أن القضية استخدمت للإساءة ضد المملكة، حيث تم إبلاغه بأن عدد مشاهدي المقطع بلغ نحو مليون و100 ألف من أنحاء العالم، وتم حصر المنكر في "استخدام المناكير الذي يوضع في اليد، وهذا غير صحيح"، وأشار إلى أن المقطع ترجم إلى لغات أخرى واستغل للإساءة للإسلام والمسلمين. وأكد آل الشيخ أن هناك من يضخم مثل هذه القضايا، وقال "نحن لسنا ملائكة"، وتابع "والفتاة حصل منها سوء ولم نقبل بتصرفها أو ما فعلته"، لكن أيضاً يجب أن نتصرف بحكمة ونعمل كما قال المفتي العام، في لقاء حينما سئل عن وجود بعض الفتيات السافرات والمتبرجات، وكيفية التعامل معهن فأجاب (أنه من المفترض أن يتم نصح المرأة برفق وتترك لتذهب)". ووجه آل الشيخ نقداً لبعض أعضاء الهيئة، مشددا على وجوب البعد عن التشفي، وأنه كان من المفترض على المتعاملين مع تلك الفتاة أن يحسنوا التعامل، وألا يتدخلوا إلا إذا رأوا منكراً واضحاً، كمشاهدة أعمال مشينة، فينبغي بهم الاتصال بمرجعهم وإبلاغه بما حصل، لأخذ التوجيه بذلك، ويكتفى بأخذ رقم لوحة المركبة"، وأضاف "لا شك أن الفتاة أخطأت وتجاوزت، ولا يجوز لامرأة مسلمة أن يصدر منها ذلك" وعاتب بعض أعضاء الهيئة قائلاً "إذا بليت بشخص مجنون، أو متهور، أو مشحون يريد الإيقاع بك، هل تكون كبش فداء؟"، واستطرد بقوله "خرجنا عن المنطوق والمفهوم والمعقول بالأمر بالمعروف بحكمة، كما أمرنا الله به، ما جناية المجتمع، أن يلام مجتمع بأكمله على قضية بنت حمقاء حصل منها ما حصل؟!". وأشاد آل الشيخ بتجاوب أمراء المناطق مع الهيئة، مشيراً بقوله "سخر لنا الله حكاماً إداريين متعاونين، بدءاً من أمير منطقة الرياض الذي لم نطلب منه شيئاً وقال لنا لا، وكذلك جميع أمراء المناطق، ولو طلبنا منهم أي مساعدة أو دعم، أو إحضار مطلوب برقم سيارته، أو هاتفه، لأحضروه دون تردد". مهام أخرى ودعا آل الشيخ إلى عدم اقتصار مهام الهيئة على مراقبة الناس في أوقات الصلاة، داعياً إلى إيجاد أيام معينة لزيارة منسوبي الهيئات للمرضى في المستشفيات، وزيارة الملتقيات العامة، واستغلالها في إهداء وتوزيع النشرات والكتيبات، بشرط أن تكون مدروسة، وقال "يجب أن توزع الكتب التي تفيد الناس، وليس الكتب التي تؤلب على أمن واستقرار البلد، بل يجب أن تكون الكتب لأناس عقلاء ثقة، يخافون الله في خدمة هذا الوطن، وتحقيق شعيرة الأمر بالمعروف". حاجز الخوف واعترف رئيس الهيئات بوجود حاجز من الرهبة والخوف لدى الناس من جهاز الهيئة، وقال "يجب علينا كسر حاجز الخوف والرهبة التي كانت موجودة في أنفس البعض من الهيئة، ونكون شريحة من شرائح المجتمع التي تعطي ولا تأخذ، وتبذل المعروف، وتبتعد عن المنكر، حتى نؤدي الأمانة التي اؤتمنا عليها". وشدد على رؤساء الهيئات بمراقبة منسوبيهم، وقال "أنتم رؤساء هيئات، ونحن مسؤولون أمام الله عن كل مطلب لدى الأعضاء، والذي يؤدي الأمانة على الوجه الشرعي يجب أن نشجعه، أما الشخص الذي لا يؤدي الأمانة ويسيء لهذا الجهاز، أو يظلم المواطنين، ويتعدى عليهم أو يشنع بهم، أو يستغل الفرص، أو يصعب الأمور لا محل له في إطار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". وأضاف قائلاً "أنتم 4 آلاف موظف ميداني، ولو تصرف شخص واحد بتصرف أهوج أو أحمق، فسيسيء للذين يعملون ليل نهار، وأعرف منهم من يضحي بماله، ووقته، وواجباته الأسرية، وتأتي مجموعة يسيئون لكل من يعمل، ويسيئون لهذا الجهاز، ويفتحون الأبواب لمن يريد أن يؤذي هذا الوطن، وولاة أمره ومواطنيه، ويسيء لشريعة الإسلام". وأكد آل الشيخ على ضرورة الدعوة بالستر كأحد الثوابت الأساسية للاحتساب، وقال "عليكم بالستر، ثم الستر، ثم الستر"، وأشار إلى أنه سيتخذ إجراءات صارمة ضد من يخالف ذلك، وقال "أبعدت أحد الأشخاص عن العمل الميداني لشره المستطير على الناس، وإيذائه لهم، وقد أتاني في إحدى المرات يفتخر بأنه قبض على 15 امرأة في يوم واحد"، وأضاف بقوله "أنا لا يسعدني أن يقال ألقيت القبض على فلان وفلان". خطوط حمراء وتحدث رئيس الهيئة بلهجة مشددة على وجود خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها، أو الستر على مرتكبيها، وقال "أول تلك الخطوط ما يتعلق بالعقيدة لذات الله أو لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتاب الله، وسنة نبيه، فلا يقبل فيها التفاوض أو التسامح، والأمر الآخر هو الابتزاز، ومنه ابتزازا النساء للرجال والعكس، والشعوذة والسحر وأكل أموال الناس بالباطل ثالث الخطوط الحمراء، والرابع الاتجار بالبشر أو ما يسمى اصطلاحاً (القوادة)، وأما الخامس فهو الخروج على ولي الأمر، سواء بشكل معنوي كأن يكفر المسلمين، ويؤذي ولاة الأمر، أو مادي، بدعم ولاة الشر، فلا رحمة لهم ولا تسامح ولا ستر في مثل هذه الحالات وينبغي أن ترفع لصاحب الاختصاص، ويبين ما يدين مرتكبها". استغلال السلطة وحذر رئيس الهيئة من استغلال السلطة، ووصفها بأخطر الجرائم وأسوأها، وبين بعض وجوهها قائلاً "من ذلك أن تستعمل السلطة في غير محلها، كأن تستعمل في التشفي، أو الإيذاء أو الظلم، أو استعمال السلطة ارتجالاً، وهو ينافي ما أمر به الله سبحانه حينما قال (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)"، وأضاف "الله أمرنا وجعل لنا منهجاً واضحاً وصريحاً، باعتماد الستر كركن أساسي في الاحتساب، واعتماد الرحمة ركناً أساسي في الاحتساب، واعتماد الإيثار ركناً أساسي في الاحتساب". وأضاف قائلاً "لا شك أن هيئة الأمر بالمعروف، لها مكانة وسلطة مطلقة، إلا فيما حدد لنا من ولي الأمر" مضيفاً بقوله "لا نتوقع أننا المحتسبون فقط، نعم نحن محتسبون ولكن في إطار ما خولنا به، من قبل ولي الأمر". وأشار إلى أن هناك جهات أخرى تقوم بالاحتساب، ومن ذلك الاحتساب في الأسواق، بضبط التجارة، والاحتساب لمكافحة الفساد الإداري، والاحتساب بما تقوم به البلديات وإماطة الأذى، وغيرها من أنواع الاحتساب". وقال "من حق الولاية علينا الدفاع عن ولاة الأمر، وأن ننصح لهم بالعمل الصالح، ومن خلال تصرفاتنا، حتى لا يحسب ذلك على من هو أعلى منا وهو بريء بسبب تصرفاتنا، ومن الإحسان والصدق مع ولاة أمرنا أن نؤدي عملنا بإخلاص وأمانة". الإعلاميون يهدون إلينا عيوبنا وأبدى آل الشيخ تذمره من بعض الأطراف التي لم يسمها، وقال "بعض الإخوان الذين كنا نتوقع فيهم سمات الخير آذونا، وأضروا بنا، وأساؤوا لنا، وألبوا علينا، وحجموا عملنا، بينما الإعلاميون خاضوا معنا في مواقف مشرفة"، واستطرد قائلاً "نحن لا ننتظر المدح من أحد ولا نقبله، ومن قال أحسنت فقد أحسن، ومن قال أسأت في محلها فقد أحسن"، وأتبع ذلك بقوله "لم أجد من الصحفيين إلا كل خير، وهناك قضايا لم اكتشفها إلا عن طريق الإعلام، وهم أدوا لنا رسالة عظيمة، وأشكرهم من كل قلبي، وهناك من أهدى إلينا عيوبنا، وهم لا يشكلون إلا 5% أما بقية الإعلاميين فهم وقفوا معنا وقفة مشرفة لا أنساها لهم".