حثّ الإسلام على كفالة اليتيم والإحسان إليه، لما فيه من فضل كبير، واقتداء ومحبة للرسول -عليه الصلاة والسلام- لقوله: "أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين"، وأشار بالسبابة والوسطى، فهي من أعظم الأعمال الإنسانية التي يندر فعلها إلا من وهبه الله حب الخير والإحسان للضعفاء. لذلك، فإن الهدف من موضوع اليوم، هو معالجة وضع شريحة مهمة من الأيتام «فئة ذوي الظروف الخاصة»، وذلك بسبب ما يتعرضون له من ظلم وهضم لحقوقهم الشرعية والإنسانية "قد تخفى على بعض القائمين على رعايتهم، رغم خطورتها النفسية والسلوكية"، وذلك بعد احتضانهم لدى بعض الأسر الحاضنة!. ومشروع كفالة اليتيم من المشاريع الإنسانية الرائدة في وزارة العمل والتنمية الاجتماعية منذ سنوات طويلة جدا، وهو باب من أبواب الرحمة والتكافل لكثير من الأطفال الأيتام، الذين لا حول لهم ولا قوة!، ويحظون بتقدير عالٍ -ولله الحمد- من حكومتنا الرشيدة -وفقها الله وسدد خطاها- لما تقوم به من خير كثير لهم ولغيرهم، من الفئات الهشّة اجتماعيا. كما أن الوزارة تسعى جاهدة إلى تشجيع "برنامج الرضاعة من داخل الأسرة الحاضنة"، إلا أن هناك كثيرا ممن لم يحالفهم النصيب في إرضاعهم، مما يسبب تعرضهم لبعض المواقف الصادمة، خاصة بعد بلوغهم أو وصولهم سن الزواج!. لذا، آمل من القائمين على شؤونهم بالوزارة، الاستعانة بالمختصين في الجوانب الفقهية، وكذلك الجوانب الاجتماعية لدراسة ومعالجة النقاط التالية: يجهل كثير منا أن "مفهوم الآبائية الذي يشمل الولادة والتربية والرعاية «أعظم بكثير من مفهوم الوالدية" الذي يقتصر على الولادة فقط دون التربية والرعاية!. فاليتيم ليس يتيم الوالدين اللذين ولداه وتخلّيا عنه منذ ولادته، بل يتيم الأم أو الأب أو الأبوين معا!، مما يستوجب من المختصين فقهيا توضيح مكانة الأبوين ودورهما في حياة اليتيم حفاظا على كرامته وإنسانيته!، لأن بعض الأيتام ما زالوا يتعرضون عند الأسر الحاضنة لبعض المواقف في حياتهم لا تمت إلى الإنسانية بصلة، مما يؤدي إلى التنازل عنهم أو التخلي عنهم بسهولة، وهذا -بلا شك- يسبب لهم صدمة نفسية قوية قد تكون دافعا لانحرافهم أوهروبهم، وإدمانهم المخدرات والحقد على المجتمع الذي ينتمون إليه. وللتوضيح، سأذكر بعضا من تلك المواقف في حياتهم بعد احتضانهم بسنوات طويلة: - يفاجأ بعض الأيتام بعد وصولهم إلى سن البلوغ بعزلهم عن نساء العائلة التي احتضنتهم من الصغر «خاصة ممن لم يتم إرضاعهم أو احتضانهم قبل سن الفصال»، ويتم الطلب منهم العيش في أحد ملاحق البيت، وكأنه ضيف غريب، بحجة أنه «غير محرم لهن»، على الرغم من وجوده معهن منذ الصغر، وهذا -بلا شك- يشعره بالنبذ والاحتقار أكثر بسبب موقفهم المفاجئ منه، لإرضاء المقربين منهم، وهذا يشكل خطرا أكبر عليهم ويعرّضهم للمهانة والإذلال، ويتسبب لهم في إحراجات عدة مع أقارب العائلة وممن يحيط بهم، وبعضهم قد يشعر بالرفض من أقارب الأسرة المحتضنة له، والتي قد تتخلى عنه بسهولة لمصلحة فرد من أفرادها، ولا يعطون أي اعتبار للسنوات الطويلة التي عاشها معهم، وشاركهم فيها مأكلهم ومشربهم، وجميع مراحل حياتهم منذ صغره!. - كمثال، لو تقدم خطيب لإحدى بناتهم وطلب منهم عدم اكتمال زواجه إلا بعد تنازلهم عن هذا الشاب اليتيم، لفعلوا ذلك بسهولة، وأخرجوه من بيتهم واستأجروا له سكنا مستقلا، أو طلبوا منه العودة إلى الدار بسهولة، لذلك لا بد من الإشارة إلى أمر مهم جدا «أن هذا اليتيم» قد يكون ابن خطيئة، وقد لا يكون، فالكائن البشري وليد البيولوجيا، والإنسان وليد التربية، لكن علينا أن ندرك أن الإنسان لا يحمل أوزار من كان سبب وجوده البشري، وأن من يُعيّر إنسانا بأنه لا نسب له، فإنه آثمٌ بلا شك، فإذا قامت محاسبة الناس على الألقاب والأنساب، فهذا كفر بيوم الحساب الآخر، يوم يقوم الناس لرب العالمين، فلا أحساب ولا أنساب، وكل إنسان مسؤول عن نفسه "فإذا جاءت الصاخّة، يوم يفر المرء من أخيه، وأمّه وأبيه، وصاحبته وبنيه، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه" (عبس 33 - 37). لذلك، آمل من وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، إضافة إلى جهودها الحالية، أن تركز بشدة على توعية المجتمع بأهمية كفالة اليتيم منذ طفولته المبكرة، والعمل على إرضاعه، خاصة في المناطق القبلية لدينا، وتوصيهم بأن هذا العمل باب من أبواب الرحمة ومرضاة لرسولنا الكريم، مما يتطلب الرعاية الحسنى له، كذلك عدم التهاون بالتنازل عنه في أي مرحلة من عمره لظروف اجتماعية طارئة بالإمكان معالجتها "حيث يعتبران أبويه اللذين ربَياه"، ولهما مكانة عظيمة أكثر من "والديه" اللذين تخلّيا عنه في صغره!.