(1) حمل الطفل محمد حقيبته على ظهره، وغادر قريته الصغيرة متوجها إلى القرية المجاورة، حيث سجله والده طالبا مستجدا في الصف الأول، لكن الطفل الصغير صُدم بواقع المدرسة، ووجد جسده الصغير ينكمش في مقعده الخشبي العتيق، وعقله الغض يتأرجح بين المعلمين وأرتال الطلاب في مكان لا يعرفه. ويوما بعد يوم كاد توهج المستقبل في عينيه أن يخفت، لولا ابتسامة والده الشيخ «علي»، الذي أخبره -ذات يوم- بكل هدوء وهو ذاهب ليؤم الناس في صلاة الفجر: أن كل شيء سيكون على ما يرام. وعلى إيقاع تلك الكلمات المطمئنة، تسارعت خطوات محمد باتجاه البوابة، بحراسة مشددة من عيني والدته الحانية. (2) في مطلع 2019، دوّى اسم الدكتور الخريزي -المشرف على مكتب رؤية 2030 في إدارة القنفذة- في جنبات أبوظبي متوجا بجائزة خليفة التربوية للبحث العلمي، على مستوى الوطن العربي، متفوقا على ما يزيد على 80 بحثا، تفنن أصحابها في حبكها وصياغتها، للظفر بشرف الفوز بهذه الجائزة الكبيرة. وفي طريقه لاستلام جائزته من يد الشيخ منصور بن زايد، كانت خطواته توقظ قبيلة من الذكريات، يقودها طفل اجتاز عثرات البداية بسيف صقيل اسمه الإصرار والتحدي، ليحقق الأول على مدرسته الابتدائية، فالمتوسطة، ويجتاز الثانوية بامتياز، محققا إنجازات لافتة في المسابقات العلمية على مستوى المنطقة، كانت نواة لاستمراره في البحث العلمي الذي برع فيه في الجامعة، ليحقق الريادة في هذا الشأن على مستوى جامعة أم القرى. ليثبت أن ما تقدمه المدارس والجامعات من مسابقات وفرص تنافسية، ما هو إلا إعداد أول لرجال الوطن وبُناته في المستقبل، وليقدم للأجيال دروسا متتالية في فن تحدي العقبات والإيمان بالقدرات، ومواجهة الصعوبات بالتوكل على الله والثبات. فالطفل الذي بدأ مترددا ومتعثرا بخوفه في البداية، كان الأول على دفعته في الجامعة من قسم اللغة الإنجليزية مع درع التفوق، وليكون فيما بعد أول مشرف سعودي لمادة اللغة الانجليزية في المنطقة، وأول رئيس لقسمها في الإشراف التربوي، ليحصد بعدها جائزة الملك فهد -رحمه الله- في المسابقة البحثية على مستوى المملكة. ويتوج الدكتور محمد كل ذلك بتأليف كتابه النادر عن طرائق تدريس اللغة الإنجليزية للعرب، وكان سرّ تميز كتابه أنه مكتوب باللغة العربية عكس المتعارف عليه. إذ تم إيداعه في مكتبة الملك فهد، ليصبح مرجعا أصيلا للباحثين في هذا الشأن. (3) يدين بعض المهندسين والأطباء بالفضل للدكتور الخريزي، عندما تولى تدريسهم مادة الإنجليزي، حين كانوا على مقاعد الدراسة. وكيف استخدم مواهبه وملكاته في تذليلها لهم. فيما يدين هو بالفضل للشيخ الذي تضم ثراه قرية «الخضراء». تاركا خلفه إرثا من العلم والعطاء، يحكي سيرته النبيلة للأجيال في سمت ووقار.