يواصل الدكتور فهد السلمي، في الحلقة الثانية، تغطياته لموضوع التسجيل العيني وأهميته في مجال التعاملات العقارية وانعكاساته الاجتماعية والاقتصادية على الأفراد والهيئات والمؤسسات في المجتمع. الأمن القانوني يؤكد السلمي أن النظام أو القانون أداة أساسية لتنظيم العلاقات بين الأفراد والهيئات والمؤسسات في المجتمع، ولابد لهذا التنظيم أن يكون محققاً للاستقرار والانضباط في المراكز القانونية أو النظامية فبقدر ما تكون هذه المراكز القانونية واضحة ومحددة ومعترف بها وتحظى بالاحترام من السلطة العامة والمجتمع، بقدر ما يمكن تحقيقه من أمن قانوني في مجال العقار. ويشير إلى أن الأمن القانوني في مجال التعاملات العقارية يعد ضمانة لحماية حقوق الأفراد ومصالحهم، فهو من الضروريات التي يستلزمها النشاط الاقتصادي والاجتماعي. ولهذا عهدت مختلف تشريعات الدول على إيجاد أنظمة عقارية متباينة من أجل استقرار الملكية العقارية وتوفير الثقة والأمان لملاك العقارات وأصحاب الحقوق عليها والمتعاملين فيها، وذلك بتنظيم قواعد التملك وعمليات الاستغلال والتداول للأموال العقارية، بما يضمن حقوق المتعاملين والدولة على حد سواء. ويؤدي إلى إرساء الثقة والطمأنينة واستقرار المراكز القانونية ودرء المنازعات، وبمفهوم آخر توفير الأمن والاستقرار القانوني الذي هو من الغايات الأساسية التي ينشرها كل نظام قانوني. النظام الأمثل أردف السلمي قائلا: «منذ ظهور نظام التسجيل العيني في التشريع الأسترالي المعروف بنظام تورنس الذي وضع أسس هذا النظام ومهد بالتالي إلى تبينه وذيوع العمل به في المجال العقاري على مستوى العالم، فقد صار نظام التسجيل العيني هو النظام الأمثل الذي تتوافر فيه الأسس التي يستند إليها ضمان وأمن واستقرار التعاملات العقارية بثبوت الحق في العقار لصالح المتصرف فيه وانتقاله إليه صحيحاً وعدم سبق تصرفه فيه لصالح الغير. وأشار إلى أنه جرى تطبيق هذا النظام في معظم دول العالم كل دولة بحسب ما يناسبها ويتبين مع إمكانياتها وعاداتها ونظامها، وقد برزت عدة تجارب دولية في تطبيق نظام التسجيل العيني نجحت في تحقيق الاستقرار للملكيات العقارية والثقة والأمان في التعاملات في العقار واللذين استلزمتها السرعة المتطلبة في إنجاز المعاملات التي تخدم الاقتصاد المتنامي بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية. والواقع أن قانون الملكية العقارية الأسترالي هو من أقدم القوانين التي تفي بالمطالب النظرية والعملية لنظام متقن للتسجيل، وتجربة تطبيقه في أستراليا حققت الثقة المطلقة والأمان التام لمكتسبي الملكية والمقرضين والمتعاملين في العقار، حيث تطورت لملكية العقارية وصار ينظر إليها علي أنها تشخيص ذاتي قائم بذاته دون اعتبار إلى أسماء المالكين، وأصحاب الحقوق العينية بل إلى رقم العقار وهويته. أسباب نجاح النظام يلفت السلمي إلى أن نجاح تطبيق نظام التسجيل العيني في أستراليا يرجع إلى تطبيق مبدأ قوة الإثبات المطلقة لقيود السجل العقاري بمنع جميع دعاوى الطعن في حق الملكية الثابتة بالقيد، سواء كانت دعوى إلغاء أو رجوع أو نسخ، ولا يستثنى من ذلك إلا دعوى الطعن في صحة القيد ضد صاحب القيد الذي تم بطريق الغش ودعوى تصحيح الخطأ في تحديد العقار. ولا يكون أمام المُضار من القيد إلا دعوى تعويض ضد المستفيد من الخطأ في القيد، وبصفة احتياطية ضد صندوق التأمين الذى أنشأه قانون تورنس لهذا الغرض. ويضيف: «كما ترتب نجاح هذا النظام على تطبيق مبدأ المشروعية الذي يُلزِم أمين السجل العقاري بالتحقق من العقود المقدمة لإجراء القيد بناء عليها وصحة التصرف وأهلية المتعاقدين وذلك قبل إجراء القيد، وله الحق في استدعاء الدائنين أو أصحاب الحقوق العينية وأن ينذرهم بتقديم المستندات التي لديهم المتعلقة بالعقار الجاري قيده وإلا تعرضوا لعقوبة الغرامة، وله أن يُحِلّف اليمين وأن يستدعي الشهود إذا لزم الأمر لإجراء القيد، وتكون صكوك الملكية التي يسلمها للملاك حجة أمام القضاء. كما يلفت النظر إلى أنه من المبادئ التي ساهمت في نجاح التجربة الأسترالية تلك القاعدة التي تقضى بأن العقار بالقيد الأول في السجل العقاري يطهر من كل حق عيني سابق لم يثبت بالقيد في السجل، ويضع بين يَدى المالك شهادة تمثل العقار ماديا ونظامياً وتسمح له أن يتصرف في عقاره بالبيع أو الرهن أو غيره من التصرفات بدون أي صعوبة مثلما يحدث بالنسبة لصاحب السهم أو السند الإسمي. تجربة أستراليا يقول السلمي: «لم يكن تسجيل العقار في نظام تورنس بأستراليا إلزامياً بل بدأ اختيارياً، ثم طُبِق النظام إجبارياً في بعض المقاطعات إلى أن صار إلزاميا في أستراليا. وتصنف البلاد بأنها الثامنة والثلاثون في العالم في تسجيل العقارات، حيث لا يستغرق تسجيل العقار سوى خمسة أيام (حسب تقرير البنك الدولي لعام 2012). كما أن ألمانيا تُقسِّم أعمال التسجيل العيني والمسح ما بين دوائر متعددة في كل حكومة وولاية، حيث يكون التسجيل العيني عملاً من أعمال المحكمة، بينما تجري أعمال المسح والتخطيط في أي وزارة على مستوى الولاية، مثل وزارة البناء ووزارة المالية ووزارة التجارة، ويشترك في إنجاز عمليات التسجيل العيني عدد من المسؤولين، منهم قاضي محكمة المقاطعة، ومدير العدالة ومسؤول التصديق الذي يقوم بالقيد في السجل العقاري ويوقع نسخا من أوامر البلدية. في المقابل بالنسبة للمسح فإن وزارة الدولة للبناء مسؤولة عن السياسة العامة والقانون الشامل للمسح، أما على مستوى الدوائر، فإن المساحين المرخصين يقدمون التقارير المساحية، وعلى مستوى المدينة تحتفظ المكاتب المساحية بالمسح وغالبا تتولى التخطيط وتقييم العقار». نموذج ألمانيا لفت السلمي إلى أن السجل العيني الألماني يحفظ وثائق الملكية وهو الأساس لنقل العقار في ألمانيا، وتحفظ السجلات القانونية للمعاملات في مكاتب السجل أيضا، والتسجيل إلزامي لكل المعاملات التي تخص ملكية الأرض، ولكاتب العدل الحكومي دوائر في تسجيل عملية نقل ملكية الأرض. ويستغرق تسجيل العقار 40 يوماً، كما يوفر السجل العيني بوابة إلكترونية تسمح بالوصول إلى بيانات العقار مقابل رسوم يفرضها لذلك. وقد وصلت التجربة الألمانية في تطبيق نظام التسجيل العيني إلى درجة متقدمة من درجات التطور، منها تحقيق أساس متين للتصرفات الخاصة بالملكية العقارية، وتضمن عدم حدوث أي مفاجأة لحسن النية من الغير الذين يتلقون حقوقا وللدائنين المرتهنين، وذلك دون مجافاة لقواعد الأخلاق. النظام السويسري أكد السلمي أن النظام السويسري بكل تأكيد أكثر نظم التسجيل العيني إتقاناً في الوقت الحاضر، إذ يجمع المزايا الأساسية لكل من النظامين الأسترالي والألماني وهو يتميز بوجود مساحة تفصيلية مثالية كما يمتاز بأنه يقضي بقيد حقوق الاتفاق وكافة الحقوق العينية الأخرى، بالإضافة إلى قيد حق الملكية والرهن. ويقضي القانون السويسري بأنه بمجرد إدخال نظام التسجيل العيني في إحدى المقاطعات يجب إجراء القيد الأول لجميع العقارات تلقائيا بقوة القانون. ويجري القيد الأول للعقار بمعاينته على الخريطة وفتح صفحة له في السجل الكبير وإنشاء حالة وصفية له ويعطي له رقم مسلسل ولا يمكن اكتساب أي حق عيني على العقار إلا بعد إتمام القيد في السجل، ولا تنتقل الملكية والحقوق العينية إلا بالقيد. كما أن بعض الحقوق الشخصية مثل حق الشفعة والإيجارات الطويلة يلزم التأشير بها عن طريق ما يسمى بالتعليق حتى يمكن الاحتجاج بها على كل حق يكتسب بعد ذلك على العقار. وتعتمد تجربة سويسرا في التسجيل العيني على مبدأ القيد الشامل «المطلق» ويهدف إلى أن يكون السجل العقاري محتويا على كافة البيانات المتعلقة بالحقوق العينية العقارية ومتاحاً لمن يطلع عليه من التعرف على جميع الحقوق والتكاليف التي تتعلق بالعقار. كما أن القيد ضروري لاكتساب الحق العيني العقاري أو نقله أو تعديله أو زواله، ويترتب على القيد قوة ثبوت مطلقة ضد الغير. وتتميز التجربة السويسرية بالسهولة في تطبيق نظام التسجيل العيني والآثار التي تترتب على ذلك التطبيق. فمن أهم مزايا هذه التجربة أنها تؤدي إلى تبسيط عملية التسجيل وتمكين المتعاملين من إتمام الإجراءات بسرعة ودقة. كما يتميز السجل العقاري السويسري بالوضوح، ومن مزاياه أنه يسمح باستقرار الملكية والحقوق العينية والفصل بشكل حاسم في المنازعات التي تنشأ بين المتعاقدين أو بين المتجاورين، وأنه يصحح العقد ويطهره من كافة العيوب التي قد تلحق به وذلك يٌحصَّن التصرف ضد دعاوى الإبطال والبطلان. تجربة دبي يقول السلمي إن «تجربة دبي في تطبيق التسجيل العيني تعد التجربة الرائدة في محيطها العربي. فقد خطت دبي خطوات سريعة ومتقدمة منذ إصدار قانون التسجيل العقاري رقم 7 لسنة 2006 الذي جعل لدائرة الأراضي والأملاك دون غيرها كافة الاختصاصات المتعلقة بتسجيل الحقوق العقارية وعقود الإيجار طويلة المدة، فهي التي تحدد مناطق المسح والقواعد المتعلقة به والمعاينة وإصدار خرائط الوحدات العقارية والمصادقة عليها وقواعد استخدام الحاسب الآلي في حفظ وتسجيل البيانات وتحديد الرسوم المستحقة عن الخدمات التي تقدمها. وقد اوجب قانون دبي المذكور إنشاء سجل عقاري تثبت فيه كافة الحقوق العقارية وما يطرأ عليها من تعديلات، ويكون له الحجية المطلقة في مواجهة الكافة ولا يجوز الطعن في بياناته إلا إذا كانت نتيجة غش أو تدليس، وأن تُسجَل فيه جميع التصرفات العقارية والأحكام المثبتة لها، ولا يعتد بتصرفات الوارث في أي حق عقاري في تركة مورثة ما لم يسجل حق الإرث في السجل العقاري. وقد صدر القانون رقم 13 لسنة 2008 لتنظيم السجل العقاري المبدئي في إمارة دبي لتقوم دائرة الأراضي والأملاك بإثبات عقود بيع العقارات وغيرها من التصرفات القانونية على الخارطة في هذا السجل المبدئي قبل نقلها إلى السجل العقاري الأساسي. وأبان أن دائرة الأراضي والأملاك بدبي – وفقا للقانون – تعمل على تحقيق الأهداف الاستراتيجية للحكومة في القطاع العقاري وتطوير أنظمة التسجيل لمواكبة أحدث النظم العالمية، ضمن باقة من الأهداف الاستراتيجية تشمل تخطيط وتطوير استراتيجية متكاملة للتنمية العقارية في الإمارة وصولاً إلى أرقى المستويات العالمية وتعزيز كفاءة التنظيم والرقابة العقارية وإدارة وتطوير قطاع الإيجارات، إضافة إلى تشجيع الاستثمار العقاري عبر تهيئة المناخ المناسب للمستثمرين بجانب تعزيز مساهمة القطاع العقاري في التنمية الشاملة للإمارة. المنهج الإماراتي لفت السلمي إلى أن إمارة دبي تضع المنهج الذي يضع وظيفة الأراضي، ضمن الإطار العريض لإدارة الأراضي، ولذلك توسعت دائرة الأراضي والأملاك لتشمل مؤسسة التنظيم العقاري بوظائفها المختلفة ومؤسسات عديدة في المجال العقاري وقد تم تصميم نظام حاسب آلي خاص بعمليات الدائرة ويتم تحديثه بشكل دائم وفاعل. ويعتبر تقديم الخدمات العقارية من قبل دائرة الأراضي والأملاك بدبي فعالاً بقدر كبير. وتفرض الدائرة رسوم على خدماتها تحقق عائداً معتبراً من خلال تسجيل الأراضي. وتأخذ بسياسات تتمحور حول المستخدم وتطبيق أحدث التقنيات. دبي تمكين دائرة الأراضي والأملاك من كافة الاختصاصات المتعلقة بتسجيل الحقوق العقارية وعقود الإيجار الطويلة. وجوب إنشاء سجل عقاري تثبت فيه كافة الحقوق العقارية وما يطرأ عليها من تعديلات. تشجيع الاستثمار العقاري عبر تهيئة المناخ المناسب للمستثمرين. تعزيز مساهمة القطاع العقاري في التنمية الشاملة للإمارة. فرض رسوم على الخدمات تحقق عائداً معتبراً من خلال تسجيل الأراضي. سويسرا أكثر نظم التسجيل العيني إتقاناً في الوقت الحاضر. تجمع المزايا الأساسية لكل من النظامين الأسترالي والألماني. يتميز بوجود مساحة تفصيلية مثالية. يقضي بقيد حقوق الاتفاق وكافة الحقوق العينية الأخرى بالإضافة إلى قيد حق الملكية والرهن. تعتمد التجربة على مبدأ القيد الشامل» المطلق». يهدف لأن يكون السجل العقاري محتويا على كافة البيانات المتعلقة بالحقوق العينية العقارية. سهولة في تطبيق نظام التسجيل العيني والآثار التي تترتب على ذلك التطبيق. يتميز السجل العقاري السويسري بالوضوح. يسمح باستقرار الملكية والحقوق العينية والفصل بشكل حاسم في المنازعات التي تنشأ بين المتعاقدين أو بين المتجاورين. ألمانيا تُقسِّم أعمال التسجيل العيني والمسح ما بين دوائر متعددة في كل حكومة وولاية يكون التسجيل عملاً من أعمال المحكمة. تجري أعمال المسح والتخطيط على مستوى الولاية. أستراليا تصنف 38 عالميا في تسجيل العقارات لا تستغرق عملية التسجيل سوى 5 أيام (حسب تقرير البنك الدولي لعام 2012). تمنع جميع دعاوى الطعن في حق الملكية الثابتة بالقيد، سواء كانت دعوى إلغاء أو رجوع أو نسخ. يطبق مبدأ المشروعية الذي يُلزِم أمين السجل العقاري بالتحقق من العقود. يضع للمالك شهادة تمثل العقار ماديا ونظامياً وتسمح له بأن يتصرف في عقاره بالبيع أو الرهن.