لم تنزل نتائج دراسة أميركية حديثة انتهت إلى أن السرطان مرض معد، برداً وسلاماً على الناس خصوصاً أن الملايين حول العالم لا يزالون يعانون من هذا المرض الذي يعرف ب"المرض الخبيث". ومع نتائج تلك الدراسة، أظهر السرطان "خبثاً" آخر إذ كان سائداً لعشرات السنوات أن أسبابه تتفاوت بين الوراثية وتناول المواد المضرة والمسرطنة والتدخين وغيره بينما لم تكن مسألة العدوى في الحسبان. لكن هذا الاكتشاف ليس سلبياً كما يتبادر إلى الأذهان بل ربما يفتح سبيلاً جديداً لمحاصرة هذا المرض. ووسط هذا الإعلان الذي أثار هلعاً، سعت "الوطن" إلى توضيح الأمر فأخذت آراء أطباء واستشاريين، أجمعت على "فهم خاطئ" لنتائج الدراسة، وأن ما قصدته الدراسة هو أن بعض الفيروسات قد تنتقل بالعدوى، وهذه الفيروسات قد تسبب السرطان. وطمأن الاطباء بأنه في حال منع الإصابة بهذا النوع من الفيروسات، يمنع بالتالي الأورام من أن تنتقل عدواها إلى جسد الأصحاء. إلا أن الأطباء الذين تحدثوا إلى "الوطن"، أكدوا أن ليس كل الأمراض السرطانية تنتقل بالعدوى، بل هناك حالات معينة كما ذكرت الدراسة. صحيحة ولكن وأفادت الدراسة التي أعدها علماء أميركيون نشرت في مجلة "لانسيت أونكولوجي"، أن العدوى ببعض أنواع الفيروسات تعتبر سبباً مباشراً ل 16٪ من حالات السرطان، وفي الدول الفقيرة قد تصل النسبة إلى 30٪. وأشارت إلى أن 80% من الجراثيم المسببة لمليوني إصابة سرطانية جديدة سنويا تحدث في الدول الأكثر فقرا. وذكر رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للأورام بالرياض والاستشاري الأول في علم طب الأورام الدكتور عصام مرشد، أن حقيقة انتقال السرطان بالعدوى من خلال الدراسة صحيحة، ولكن ليست جميع الأمراض السرطانية تنتقل بالعدوى. وأوضح أن المقصود بانتقاله من خلال العدوى، أن هناك أمراضاً سرطانية تتعلق تعلقاً مباشرا ببعض الفيروسات أو البكتيريا، وتعد هذه الفيروسات والبكتيريا كعامل خطورة للمرض. جرثومة المعدة وضرب مرشد مثالا بجرثومة المعدة، إذ إن هذه الجرثومة لها علاقة مباشرة ببعض حالات أورام الأنسجة الليمفاوية في المعدة نفسها. وأكد أن السرطان لا ينتقل بالعدوى كما هو مفهوم لدى الناس، إنما له بعض المسببات التي لها علاقة بالعدوى، حيث يمكن للفيروس الحليمي الذي يكون في عنق الرحم أن يكون مسبباً للعدوى بالسرطان عند الاتصال الجنسي، مبيناً أنه يكثر لدى المجتمعات التي تعاني من فوضى جنسية. وأضاف مرشد: السرطان قد يكون وراثيا بنسبة قليلة وهو جين معين ينتقل من أسرة لأخرى مسببا السرطان. وأشار إلى أنه يمكن أيضا أن يكون مرضا عائليا أو بيئيا بحيث يكون الأفراد معرضين للعوامل المسببة للسرطان نفسها فتكون احتمالية الإصابة شبه متساوية بينهم. وأشار إلى أن الدراسات أثبتت أن سرطان الثدي والقولون والمستقيم والمبيض والبروستاتا لها علاقة بالوراثة بنسبة 5%. الأسباب معروفة من جهته قال البروفيسور واستشاري الأورام بكلية الطب بجامعة الملك عبد العزيز الدكتور ياسر عبدالعزيز بهادر إن العوامل المسببة للسرطان كثيرة ولا تخفى على أحد، وذكر منها التدخين، ثم العدوى ببعض الفيروسات والبكتريا، كما جاء ذلك في الدراسة الأميركية، إضافة إلى زيادة الوزن وعدم ممارسة الرياضة والتغذية غير الصحية إلى جانب العوامل الوراثية. فيروسات المرض وأكد بهادر على أن هناك عددا من الفيروسات المسببة للأورام السرطانية هي فيروس التهاب الكبد المسبب لسرطان الكبد والذي ينتقل عن طريق الدم، وله تطعيم ويعطى هذا التطعيم ضمن التطعيمات الأساسية في المملكة، والفيروس الآخر هو الفيروس الحلمي البشري المسبب لالتهابات الجهاز التناسلي للمرأة والذي يؤدي إلى سرطان عنق الرحم، وينتقل عن طريق الاتصال الجنسي. ويوجد تطعيم ضد هذا الفيروس وننصح جميع النساء بأخذ هذا التطعيم قبل سن الزواج إضافة إلى أن هناك فيروسات أخرى، قد تسبب السرطان مثل فيروس نقص المناعة الذي يسبب "الساركوما" وفيروسات أخرى قد تسبب "اللمفوما" وسرطان "البلعوم" وغيرها. الوقاية وقال بهادر ينبغي أن يتقي الإنسان السرطان قدر استطاعته، وذلك بالتوقف عن التدخين، وتناول الغذاء الصحي، قليل الدهن، والغني بالألياف، وممارسة الرياضة، وأخذ التطعيمات ضد الفيروسات المسببة للسرطان. وتحدث بهادر عن وضع السرطان في المملكة، موضحاً أنه وحسب إحصائيات السجل الوطني للأورام فإنه يتم تشخيص ما يقارب من 10 آلاف حالة جديدة للسرطان سنويا بالمملكة، ويحتل سرطانا الثدي والقولون المرتبة الأولى والثانية، ويأتي سرطان الكبد في المرتبة السادسة بمعدل 500 حالة جديدة سنويا، كما تسجل أكثر من 100 حالة سرطان لعنق الرحم سنويا، و30٪ فقط من هذه الحالات يتم تشخيصها في مرحلة مبكرة. وأفادت الدراسة التي نشرت في مجلة "لانسيت"، أن العدوى ببعض أنواع الفيروسات تعتبر سبباً مباشراً ل 16٪ من حالات السرطان، وفي الدول الفقيرة قد تصل النسبة إلى 30٪. وهو ما أقره الدكتور بهادر، مؤكداً في الوقت ذاته أنه في حال منع الإصابة بهذا النوع من الفيروسات، فسوف نمنع بإذن الله هذه الأورام من أن تنتقل عدواها إلى جسد الأصحاء. مريض السرطان لا يعدي في المقابل، أكد الاستشاري بعلاج الأورام المكلف بمستشفى الملك عبد العزيز التخصصي بالطائف الدكتور أسامة أحمد عباس أن مريض السرطان لا يعدي غيره بمرضه، وذلك لأن مرض السرطان لا ينتقل بالعدوى مطلقا. وأوضح أن من مسببات الأورام السرطانية، الجراثيم سواء أكانت الفيروسات، أم البكتريا، أم الفطريات. وأكد أن الذي ينتقل بالعدوى هو الجرثومة التي قد تسبب السرطان في الجسم المنتقلة إليه، مشيرا إلى أن الالتهاب الفيروسي الكبدي الوبائي "B" أو "C" من مضاعفاتهما الإصابة بسرطان الكبد، إضافة إلى فطر عفن الحبوب والبقوليات "أسبرجيلس فلافس"، الذي ينتج عنه مادة "أفلا توكسين" المسببة لسرطان الكبد، وكذلك الفيروس الحليمي البشري (Human Papilloma Virus, HPV)، خصوصا السلالة 16 و18، والذي يسبب سرطان البلعوم والمريء وعنق الرحم (لدى السيدات)، وبكتريا المعدة "اتش بيلوراي" التي تسبب سرطان المعدة. إجراءات طبية وقال عباس إن هناك إجراءات طبية للتعامل مع هذه الجراثيم حيث تقل فرصة الإصابة بالسرطانات فبكتريا المعدة تعالج بالعقار الثلاثي، وهناك تطعيم للمواليد والعاملين في الحقل الطبي ضد الفيروس الكبدي "B" وهناك علاج للفيروس الكبدي " C" بالانترفيرون. وأشار إلى أنه ومنذ 2008، يتم تطعيم الإناث عند سن البلوغ ضد الفيروس الحليمى البشرى (Human Papilloma Virus, HPV). السرطان العائلي ويقول محمد سالم طالب بكلية الطب بجامعة الطائف إن كثيراً من الناس يجهلون كيفية حدوث المرض وانتقاله بين أفراد العائلة، مشيرا إلى أن المرض يمكن أن نطلق عليه مرض عائلي، وله تاريخ وجذور عائلية، وليس بالمعنى الوراثي المفهوم لدى شرائح المجتمع كافة، ورغم أن المرض يسبب الرعب باسمه دون الأخذ في التفاصيل، إلا أن المجتمع في حاجة إلى تسليط الضوء على ماهية المرض وعلاقته بالعدوى ونسبته العالية في البلاد الفقيرة. وطالبت نهى الحارثي طالبة جامعية بكلية الطب بأن يوضح الإعلام للجمهور أهمية الابتعاد عن النمطية المطروحة في الإعلام عن مرض السرطان، مشيرة إلى الناس يحتاجون إلى وعي أكر، وأنه ينبغي أن يكون هناك حوارات مع مرضى بالسرطان لتوضيح أعراض المرض ومسبباته وكيفية تقبله، وطرح طرق العلاج المختلفة والمراحل المتبعة في العلاج مع الرجال والنساء، وكذلك الأطفال، وبيان أهمية الكشف المبكر وعمل الفحوصات كل 6 أشهر لاتقاء هذه الأمراض.