ما هي الصورة التي يحلو لك رسمها للثقافة العربية اليوم، لو كانت أمامك، متكئةً على أريكة؟ هذا أيسر وأهون من أن ترسم مشهداً للمثقفين العرب. عندئذ يكون السائل قد نصب لك مصيدةً فيها مكيدة. حينئذ ستنوح: «تكاثرتِ الظباء على خراشٍ.. فما يدري خراشٌ ما يصيدُ». من يروم حشر كل المثقفين في إطار واحد، نجوم تخوم الكون أقرب إليه. لكن، عليك بالحل في مقولة دوستويفسكي: «عندما يُخفق الذكاء يتدخّل الشيطان»، فلا تحزن وأبشر، فالمثقفون العرب ابتسم لهم الحظ بالاتفاق التلقائي من دون إلزام أو التزام على موقف واحد ممّا يدور في الكوكب قريبه والبعيد: كل النخب الفكرية والأدبية والفنية، ومعهم العلماء والجامعيون والخبراء، هم جميعاً مجمعون على موقف واحد: واجمون كأن على رؤوسهم الطير. لكن الأمر ليس كما لم يقل المتنبي، في وصف المثقف العربي: «في هيبة الرهبان إلاّ أنه.. لا يقرب التفكير والتحليلا». معاذ الله أن يكون مثقفو العرب هكذا، إنما لكونهم شديدي الحساسية في الشدائد، يعروهم ما يعرو المتصوفة من حالات الجذب والفناء في المشاهدة والحيرة والمحو. خذ مثلاً افتتان العرفاء بالمحو، الذي يعني عندهم محو الأوصاف. المخططات المغرضة تريد أن يكون المثقف العربي في حالة انعدام وزن بلا هوية ولا شخصية، لا قدّر الله. لا يجوز لأيّ كان وصفه بأنه منزوع دسم الإرادة. بالمناسبة: تعريف الإرادة عند المتصوفين: «الإرادة هي ألاّ تفعل». هذا لا ينطبق على نخب الثقافة العربية، فهؤلاء دأبهم وديدنهم بالليل والنهار، صولات وجولات في النظريات النقدية من رولان بارت وعشرات النقاد إلى تشومسكي. إلاّ أن الأخير لا يروقهم، لأنه يحشر أنفه كثيراً في الأحداث، خصوصاً حين يتطفل على أمور الشرق الأوسط. المثقفون معهم حق، فهم يتأملون الواقع وكأنه أفلام، إلى أن تقرر صروف الدهر ما تفعله. يقولون: احتراماً للنصيحة: «دع الأيام تفعل ما تشاء»، وطب نفساً إذا تغيّرت الخرائط. ثم، كم من مليون مرّة تغيّرت معالم الحدود الجغرافية منذ ظهور الإنسان العاقل (هوموسابيانس) قبل ثلاثمئة ألف عام؟ في هذه الأثناء، يلوح الحل أن تجلس عيّنات من الشعوب، وأخرى تنوب عن المثقفين، وفي جو من حرية الرأي، يتحاور الفريقان: نحن على صورتكم أم أنتم؟ المثقفون يمثلون شعوبهم أم العكس؟ فإن كانت الصورة مرايا متعاكسة، متجانسة، فالموضوع باطل. لزوم ما يلزم: النتيجة الشعرية: في الفلسفة الرواقية لدى الشاعر الفرنسي ألفريد دوفينيي، يقول في قصيدة «موت الذئب»: «الصمت وحده عظيم.. كل ما عداه ضعف». نقلا عن الخليج الاماراتية