رغم أن مصطلح «الذكاء الاصطناعي» قديم نسبياً، حيث يرجع إلى العالم « مارفن منكسي الذي كتب عام 1961م مقالاً بعنوان «خطوة نحو الذكاء الاصطناعي Step Towards artificial intelligence»، إلا أنه ومع التقدم المذهل في مجال الحاسوب وعلوم المعلومات والبيانات، والتكنولوجيا الصناعية المتقدمة، ومع النمو الهائل للاقتصاد العالمي في جميع المجالات الصناعية والبيولوجية والاتصالات، فقد طرأ تطور هائل في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي كأحد علوم التكنولوجيا، وزاد في الآونة الأخيرة الاهتمام وإلقاء الضوء على الذكاء الاصطناعي ومجالات وآفاق استخدامه. وللذكاء، بشكل عام، تعريفات كثيرة يمكن إجمالها في التعريف التالي: «إنه القدرة على التعليم وفهم الأشياء، وتحليل البيانات والمشكلات والأرقام، والقدرة على الإبداع وحل المسائل، مع القابلية للتحسين والقدرة على الاستنتاج». ومن هنا يمكن تعريف الذكاء الاصطناعي على «إنه قدرة الآلة على محاكاة العقل البشرى، وطريقة عمله من قدرة على التفكير، واكتشاف والاستفادة من التجارب السابقة». أى أن الذكاء الاصطناعي، هو ذكاء من صنع الإنسان، في صورة مشاكله آلات معقدة، تستخدم خصائص الحاسوب، وتنفذ العديد من المهام مثل البشر، وتملك هذه الآلات رد الفعل feed back وتتمتع بالقدرة على إعادة تصميم نفسها، وكذلك بحواس وقدرة حسية، أي أنه يمكن اختصار مفهوم مصطلح الذكاء الاصطناعي «إنه دمج الذكاء البشري داخل آلات». تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي هي تكنولوجيا من صنع الإنسان، لخدمة ورفاهية الإنسان، وليس تدميره أو إضراره. إلا أن التمادي في استخدام هذه التقنية أو إساءة استخدامها في مجالات ضارة أو محاربة للإنسان، يمكن أن تؤدي إلى كوارث تدمر البشرية نفسها،كما حذر «ستيفن هوكنج»، وكما قال: «ايلون ماسك» في تغريدة شهيرة: «الآلات هي من تنتصر في النهاية»، مما يتطلب وضع معايير أخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي، ووضع ميثاق دولي ملزم لأخلاقيات وحوكمة استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، مما يحفظ للبشرية أمنها وسلامتها. وقد كانت المملكة العربية السعودية، على وعى تام بأهمية تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، ولذلك كانت حكومتها الرشيدة سباقة في إنشاء الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي «سدايا» Saudi dataالجزيرةartificial authority، والتي أنشئت بأمر ملكي في 30 أغسطس 2019م، وترتبط مباشرة ويترأس مجلس إدارتها رئيس مجلس الوزراء سمو الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ويتبعها ويلحق بها «المركز الوطنى للذكاء الاصطناعي» ومكتب إدارة البيانات الوطنية، ويرتبطان بالهيئة تنظيمياً. وقد جاء إنشاء هذه الهيئة بناءً على الرؤية الطموحة للأمير الطموح صاحب السمو الملكي ولى العهد محمد بن سلمان، للمملكة 2030، ولتحقيق تطلعات هذه الرؤية في سبيل تحقيق نهضة حضارية شاملة للمملكة اقتصادياً وصناعياً وتكنولوجياً ومجتمعياً، تجعل المملكة في مقدمة الدول الكبرى المتقدمة، وتحقق المعايير والمستهدفات في مؤشرات التقدم العالمية على كافة الأصعدة. ومن إنجازات المملكة في هذا المجال، حصولها على المركز الأول عالمياً في مؤشر الإستراتيجية الحكومية للذكاء الاصطناعي، وهو أحد مؤشرات التصنيف العالمي للذكاء الاصطناعي الصادر عن «تورتويس انتيلجينس» والذي يقيس أكثر من 60 دولة، وحلت ألمانيا ثانية، والصين ثالثة. ويقيس هذا التصنيف أكثر من 100 معيار ضمن سبعة مؤشرات: الإستراتيجية الحكومية، البحث، والتطوير، الكفاءات، البنية التحتية، البيئة التشغيلية، والتجارة، ونالت المملكة المركز الأول في مؤشر الإستراتيجية الحكومية للذكاء الاصطناعي، والمركز ال 31 في إجمالي مؤشرات التصنيف. ولم يأتِ هذا التطور الكبير من فراغ، فقد كان من أهداف هيئة «سدايا حين إنشائها»: - إعداد وتنفيذ برامج ومبادرات تطوير المهارات في مجال البيانات والذكاء الاصطناعي. - بناء وتأهيل وإعداد الكوادر والقدرات الوطنية البشرية في هذا المجال. - المساهمة في تحقيق «رؤية السعودية 2030» من خلال تحقيق أعلى مؤشرات التقدم التكنولوجي والمعلوماتي، واستخدامه في المجالات الاقتصادية والصناعية والبنية التحتية، وتحقيق مكانة متقدمة للمملكة في المؤشرات العالمية في هذه المجالات. - تعزيز الشراكة مع الجامعات والجهات الأكاديمية داخل المملكة وخارجها، في مجال التدريب وبناء القدرات وتطوير البرامج. - تمكين الشركات والهيئات والجهات المختلفة من تحقيق أهداف التقدم التكنولوجي. وقد استطاعت هيئة «سدايا» تحقيق الهدف من إنشائها، وحققت العديد من الإنجازات، حيث قامت الهيئة في 26 مارس 2020 بتشغيل أول قمة افتراضية لمجموعة العشرين، والتي دعت إليها المملكة على مستوى القادة، وعقدت عن بعد برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، وذلك أثناء جائحة كورونا، لمناقشة تنسيق الجهود العالمية لمكافحة هذه الجائحة والحد من تأثيراتها الاقتصادية والإنسانية على العالم، وهذه القمة إنجاز تاريخي للهيئة، حيث استطاعت تجهيز تحضيرات هذه القمة في أقل من أسبوع. وقد نالت الهيئة في مارس 2023، ممثلة في «مركز المعلومات الوطني» التابع لها، شهادة الجاهزية والاعتماد الدولي من معهد «آب تايم» Tier111 «Uptime» كما أنجزت الهيئة بناء منظومة الاتصال المرئي الآمن، لعدد من الجهات الحكومية لعقد الاجتماعات عن بعد، ودمجت ووحدت أكثر من 80 مجموعة بيانات حكومية. وأطلقت الهيئة في مارس 2020 منصة «ديم»، وهي منصة حوسبة سحابية حكومية سعودية، وتعد الأكبر في الشرق الأوسط، وديم هي إحدى الحلول التقنية الابتكارية لدعم التحول الرقمي، وذلك وفق رؤية السعودية 2030، حيث تهدف إلى توفير بنية تحتية متكاملة مبنية على أحدث التقنيات التي تضمن أعلى أمان للبيانات الحكومية، كما تسهم في خفض الإنفاق الحكومي على البنية التحتية، في مجال الصيانة والإدارة والتشغيل والحماية، ورفع كفاءة تشغيل هذه المراكز. ومن إنجازات هيئة سدايا أيضاً، توقيع مذكرة تعاون مشترك في مجال القطاع الصحي، بين الهيئة وبين شركة «ايكيوفيا» وهى شركة أمريكية متعددة الجنسيات، تخدم الصناعات المدمجة في مجال تقنيات المعلومات الصحية والبحوث السريرية، تهدف هذه المذكرة إلى دعم الابتكار والتقدم التكنولوجي، في مجال البيانات الصحية في المملكة. ونجحت هيئة «سدايا» في إطلاق تطبيق «علام» في مايو 2023، وهو أول تطبيق محادثة في المملكة، يقوم بمحادثة المستخدمين، والرد على استفساراتهم باللغة العربية الفصحى والعامية، وصياغة الاقتراحات في كثير من الموضوعات المختلفة، في سبيل الوصول إلى بناء نموذج لغوي سعودي. ومن العرض السابق، يتبين أهمية تطبيق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ومجالاته، ويتضح دور القيادة والحكومة السعودية الرشيدة في تبني كل ما يهدف إلى تقدم وازدهار المملكة وشعبها، والأخذ دوماً بمؤشرات ومستهدفات الدول المتقدمة الرائدة في كافة المجالات، لتحقيق العزة والتقدم والازدهار للمملكة وشعبها. نقلا عن الجزيرة