في غزة، تجلى مفهوم المقاومة كظاهرة قوية متعددة الأوجه، ولا علاقة لها، كما يدعي البعض، بأية ممارسات العنف الأخرى التي كثيراً ما يساء توظيفها في منطقتنا، إنها منارة للتأكيد المشروع - وهو حق جوهري للإنسانية، تمارسه الشعوب عبر مناطق وعصور متنوعة، إذ تمثل المقاومة في جوهرها ردًّا جماعيًّا على تعديات الاحتلال، وهي قوة أساسية تتجاوز الحدود والعصور، فقد تم نسج هذا المبدأ الدقيق والمتأصل في عديد الصراعات المجتمعية، وظهر كسمة مميزة للتجربة الإنسانية. في السرد المعقد للاحتلال، سعى الكيان في كثير من الأحيان إلى تقديم نفسه كدولة شرعية، لكن الحقيقة الصارخة، الواضحة كشمس الظهيرة، كشفته على حقيقته، وهو أنه مجرد سلطة تمارس السيطرة من خلال البطش والتنكيل والحرمان، وخلف واجهة الحكم المدعوم بتواطؤ غربي، انكشفت حقيقة صارخة، نظام فصل عنصري قام على القمع وخنق الأحلام الجماعية. إن مصطلح «الحرب»، الذي تم طرحه بشكل عرضي في الخطابات، كان يخفي الطبيعة العميقة للصراع - لقد كانت، في جوهرها، حرب تحرير، وبعيدًا عن الدلالات السطحية، كان هذا صراعًا مؤثرًا يهدف إلى استعادة الكرامة المسروقة وتأمين اعتناق الحرية. من الضروري أن نفصل المقاومة عن أشكال العنف الأخرى، لأنها تجسد دعوة أسمى موقف أخلاقي ومبدئي ضد القمع وانتهاك حقوق الإنسان الأساسية، وعبر التاريخ، استخدمت المجتمعات حق المقاومة كوسيلة لصيانة كرامتها، والحفاظ على استقلالها، واستعادة أوطانها من براثن الاحتلال، حيث تكشف هذه السلسلة التاريخية عن المقاومة ليس كعمل متقطع من التحدي، ولكن كصدى مدو للإرادة الجماعية لمواجهة الظلم وتأمين الحريات الأساسية التي تحدد جوهر الوجود الإنساني. فالإرادة التي لا تقهر لمقاومة الاحتلال لا تحدد الماضي فحسب، بل تستمر في تشكيل مسار سعي البشرية المستمر إلى الحرية وتقرير المصير، وعبر التاريخ، سعت المجتمعات الخاضعة لنير الاحتلال الثقيل باستمرار إلى الحصول على التمكين من خلال المقاومة، لقد أصبحت هذه الاستجابة المرنة، التي ولدت من الرغبة الإنسانية الفطرية في الحرية وتقرير المصير، خيطًا مشتركًا ينسج عبر تاريخ العديد من الدول التي تتصارع مع الغطرسة وأنظمة الفصل العنصري. والسؤال الذي يظل عالقًا وله أهمية كبيرة، ما هو مسار التسوية السياسية الذي سينبثق من هذه المفاوضات طوال عدة عقود؟، إنه سؤال لا يعكس النتائج الملموسة للمداولات الدبلوماسية فحسب، بل إن جوهر المقاومة، المتأصل في الوعي الجماعي، يدفع أي مفاوضات أو تسوية إلى الأمام بتصميم لا يتزعزع على ضمان حل عادل ومنصف. إن التاريخ بمثابة شهادة لا تمحى على روح المقاومة التي لا تتزعزع والتي تظهر كلما وقعت أرض تحت ظل الاحتلال، تكشف نظرة خاطفة عبر سجلات الزمن عن نمط دون استثناء، إذ هب سكان كل الأراضي المحتلة في تحدٍّ، ونشروا كل الموارد المتاحة لهم وقدموا تضحيات هائلة في السعي إلى التحرير، ويشهد النسيج التاريخي على أمثلة ملحوظة من المقاومة، بدءًا من الحملة الفرنسية ضد مصر واحتلال الجزائر إلى حرب المليون شهيد، وحتى أبعد من ذلك، تتردد أصداء المقاومة الفرنسية ضد المحتل الألماني كدليل على الدافع العالمي لمقاومة القهر. نقلا عن الجزيرة