في الإعلام المحسوب على قطر - قناة الجزيرة مثالاً - هناك شيء لافت، ويتكرر كلما مرت دولة عربية بأزمة طبيعية، تكون خارج السيطرة عليها في وقت قصير؛ فإذا بهذا الإعلام الكريه يسارع باستغلالها لغرض مشبوه، ويخصص لها مساحات كبيرة من اهتمامه؛ ليذكي بها نار الفتنة، ويغرس بها آلته الحدباء المسمومة، متباهيًا بقدرته على تغطية حدث مأساوي، يكون خارجًا عن الإرادة، بهذا السم الزعاف. * * هي قطر التي نعرفها، يتلذذ إعلامها الموبوء بتوجيه الشعوب العربية للتمرد على حكوماتها وأنظمتها، وخلق بيئة من عدم الاستقرار فيها، والزج بهذه الشعوب في أتون صراعات وخلافات وفوضى، تلبي وتستجيب لأجندة النظام القطري ومَن يسيّره من عملاء في هذا الاتجاه، دون وعي بأن هذا السلوك المشين لا يخدم إلا أعداء أمتنا العربية ومصالحها. * * تأتي فيضانات في دولة عربية - السودان مثالاً - فيسخِّر الإعلام المحسوب على قطر كل إمكاناته وقدراته في تأجيج الصراع في هذا البلد المنكوب، بإيحاءات وإشارات لتحميل النظام المسؤولية عن هذه الكارثة، وتقصيره في التعامل معها، كمن يقول لمواطني السودان: «تمردوا على حكومتكم، واخرجوا إلى الشوارع لإعلان غضبكم ضد النظام». وهو نظام للتو قد تولى إدارة شؤون البلاد بعد ثلاثين عامًا من ظلم نظام البشير، ولا يزال النظام الجديد - بحكم عامل الوقت - يتلمس الطريق نحو إصلاح ما أفسده نظام عمر البشير البائد. * * والإعلام القطري فعل ويفعل هذا يوميًّا مع ما يحدث في مصر. وحين لا يجد ما يقوله عن نظام قوي، تمكَّن من الإجهاز على المؤامرة الكبرى باستيلاء تنظيم الإخوان المسلمين لمدة سنة على حكم البلاد، فهو يصوِّر لنا - مثلاً - إزالة مبانٍ متهالكة، تعرِّض سلامة سكانها ومَن يمرّ بجوارها للخطر، وكأن القيادة المصرية تزيل هذه المباني وهي في حالة جيدة بهدف تشريد سكانها، وجعلهم بلا مأوى، ومن غير مكان يأوون إليه ويسكنون فيه، وهو تصرف غبي من إعلام جاهل. * * وعلى هذا قس، كيف تكون تغطية الجزيرة لما يجري في ليبيا، أو تونس، أو الجزائر، وغيرها من الدول العربية؛ فهي تزرع الفتنة، وتؤجج الصراع، من خلال الكيل بمكيالين، أي إنها تشحن في الناس مبدأ الإصرار على الصراع غير السوي للاستفراد بمقاليد الحكم، وهي منحازة مع فئة في دعمها دون الأخرى، بما خلق ويخلق استمرارية وديمومة هذا الصراع الذي يغيب فيه الحوار، ويحضر فيه السلاح، وهو ما يريده ويسعى إليه الإعلام القطري بتوجيه من نظام الدوحة. * * أسألكم: ما مصلحة قطر والإعلام المحسوب عليها في خلق هذه الأجواء المشحونة بالتوتر في دولنا العربية؟ ولماذا هذا التآمر القطري الوقح على مصالح أمتنا؟ ومتى تنتهي هذه التصرفات الحمقاء في سلوك النظام القطري؟ بل متى يفيق هؤلاء من غفوتهم، ومن سكرتهم بما يعتقدون أنهم بتصرفاتهم على حق، وأنهم على موعد مع كسب معركتهم مع كل من يخالفهم الرأي، أو يناصبهم العداء؟ أسأل أمير قطر وبطانته الفاسدة وإعلامه الخبيث، وأنا على يقين أن لا إجابة لديهم تكون مقنعة لعاقل أمام هذا العبث الإعلامي غير المسؤول؛ بما يجعلني أذكِّر الشعوب العربية بأن تكون على دراية باستغلال قطر لأي فرصة لخلق الفوضى وعدم الاستقرار في دولهم. رئيس تحرير صحيفة الجزيرة