من أغرب الأخبار التى نشرت منذ ساعات هى طلب وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو، بمضاعفة ميزانية عام 2021 لمكافحة «التضليل الإعلامى والدعاية» من جانب روسيا. قدر المبلغ المطلوب ب138 مليون دولار فى ميزانية السنة المالية 2021، لتمويل عمل مركز التعاون العالمى بما يعادل ضعف المبلغ الحالى المرصود. فالدولة التى اخترعت التضليل الإعلامى تطالب الآن بمواجهة التضليل من دولة تعتبرها عدوًا.. والدولة التى ابتدعت طرق ووسائل التضليل الإعلامى والتى بلغت حتى الآن 28 وسيلة تشكو منه الآن. الدولة التى أسقطت مصداقية الإعلام فى العالم عندما قادت أكبر حملة تضليل إعلامى فى التاريخ حتى تبرر غزو العراق وإسقاط الرئيس صدام حسين وأقنعت العالم كله أن تحت بغداد مدينة كاملة مبنية وأن المفإعلات النووية العراقية محملة على سيارات نقل وأن الأسلحة الكيمائية تملأ مخازن تكفى لتدمير المنطقة العربية وغيرها من سلسلة كبيرة من الأخبار المغلوطة التى كانت تروجها عبر وسائل إعلامها والصحافة الأمريكية التى كانت تدعى أنها حرة وبعد سقوط بغداد بساعات قليلة سقطت مصداقية الإعلام والصحافة على مستوى العالم. فإن كان مفهوم التضليل الإعلامى هو عرض جزء من الحقيقة أو البناء الخاطئ على حقائق واضحة وثابتة وموثقة للوصول إلى تحقيق الهدف وهو تكريس هذا البناء الخاطئ فى أذهان المتلقى فإن أمريكا جعلت منه 28 طريقة للخداع الإعلامى. وكانت وسائل الإعلام تهدف إلى نشر المعرفة المستنيرة وتزويد الناس بالمعلومات والحقائق الكفيلة بتوسيع آفاقهم، إلا أن الأمريكان استخدموها فى تزييف الحقائق، ونجحت فى تمرير مفاهيم وآراء مضادة لها لأهداف وقيم اجتماعية سامية وفرضت على العالم قيمها والقيم التى تريد تمريرها. ومنذ انطلاق المدونات ومواقع التواصل الاجتماعى التى ابتكرتها العقول الأمريكية تم استخدامها سلاحًا لاستكمال عملية التضليل التى انطلقت منذ عام 2001 فى أعقاب سقوط البرجين وأسفرت عما أسمته الإدارة الأمريكية بثورات الربيع العربى وأطلق عليها ثورات الفيسبوك. وعلى ما يبدو أن السحر انقلب على الساحر بعد أن دخلت روسياوالصين على خط التواصل الاجتماعى وتم استخدام نفس آليات التضليل التى ابتدعتها أمريكا بل انطلقت الصينوروسيا بتطبيقات على الهاتف وإعلنت كل من الولاياتالمتحدة وبريطانيا تدخل روسيا فى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية فيهما وأصبحت أمريكا لأول مرة فى موقف الشاكى. فقد دفعت المنطقة العربية وخاصة مصر ثمنًا باهظًا بسبب حرب التضليل الإعلامى التى قامت بها الأجهزة الأمنية الأمريكية وتحالفاتها فى المنطقة مع جماعة الإخوان الإرهابية وبدأت بتخصيص مليار و400 مليون دولار تحت مسمى تحسين صورة أمريكا عقب أحداث سبتمبر 2001 وتم استخدامها فى إنشاء تلفزيون وإذاعة ومجموعة صحف فى البلدان العربية، فوسائل الإعلام مطالبة بالتصدى لهذه الظاهرة بالقيام بواجباتها ووظائفها بصدق وأمانة وعدالة، وموضوعية وتوازن، وشمول ودقة، وعدم إساءة استخدام سلطة الإعلام. أى باختصار الالتزام بأخلاقيات المهنة لأنه مع وجود صراع المصالح الهائل على المستوى العالمى فإن هذه الأخلاقيات تغيب أحيانًا، وتحدث بشكل متعمد أنواع من التضليل الإعلامى. وعلى النقابات الإعلامية والصحفية تدريب أعضائها على آليات اكتشاف الأخبار المضللة والأخبار الحقيقية وفهم ما يدور من صراع بين أصحاب المصالح الكبرى من الحكومات والجماعات المختلفة ورؤوس الأموال الضخمة التى دائما تستفيد من حملات التضليل الكبرى لأن الخاسر الأول هو المتلقى من عموم الناس. نقلا عن الوفد المصرية