تُثقل السنين كاهلنا وتتراكم داخلنا أحداث ومواقف تتباين وتتفاوت تأثيراً بقدر ما حملته من أفراح وأتراح ، بعضها يأتي في سياق أقدار لا نملك إلا التسليم لمقتضياتها ، وبعضها الآخر نشعر أن ثمة أخطاء بشرية تسببت فيها فتركت جراحاً نستحضرها كلما تداعت ذكراها . جراح الجسد تلتئم بالدواء ، أما جراح المشاعر يصعب إلتئامها لتبقى تنزف دموعاً تستحضر ألماً يعتصر القلب ويقضُ المضجع وتكتوي به الأضلع ، وقد لا تجد له مخرجاً فتجد نفسك وقد تركته للزمن يتصارع معه تارة بالتغافل والتجاهل وتارة بالنسيان ، وانت تدرك أن الجرح غائر في صدرك وقد غُرز فيه نصل الجحود وإنكار حقك في أن تحظى بالحب المتبادل ، فالحب علاقة تبادلية ، تماماً كما تُزهر الورود بالماء ، ولم يكن لها أن تتفتّح للحياة دون أن ترتوي به ، معادلة بين مُكوّنين ربطتهما علاقة فِطرية تقوم على العطاء والأخذ ، وأيّ إخلال بها يقتل تناغم الحياة ، ذلك هو جرح المشاعر يخلق ثغرة لا يمكن أن يردمها الزمن مهما طال أو تستّر برداء الأسف والاعتذار ، فالقلوب رهينة المواقف وأن تدثّرت بالعواطف . هذا الصراع الذي تعيشه القلوب هو سمة خَلقية تكوّنت بها ، فهي مضغة مادية تحمل صفات حسّية ، وتلك هي الصفات الأكثر إثارة وغموضاً ، وتفاوت في التأثير بين الناس . وهو تفاوت قد يراه البعض معياراً لمدى الرقّة أو الليونة التي تتميز بها بعض القلوب ، وقد لا تدل في حقيقتها على ميزة مطلقة بل ربما تكون سبباً في دفع المشاعر إلى حافة الانهيار . ولعل في كل ذلك تفسير لتباين مشاعر الناس واختلاف نظرتهم أو تعاملهم مع أحداث ومواقف قد تبدو متشابهة ، ولن نعرف تباينها واختلافها إن لم نقف على مسبباتها والظروف المحيطة ببدايتها وتكوينها . .