يُعرف مجلس الشورى على أنَّه إحدى سلطات الدولة التي أقامها النظام الأساسيّ للحكم، ويتكون من أعضاء من المفترض أن يقوموا على خدمة مصالح الوطن، ومن اختصاصاته إبداء الرأي في السياسات العامة للدولة ومناقشة الخطط التي تدعم التنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة، ودراسة وتوضيح الأنظمة والمعاهدات والاتفاقات الدوليّة، ومناقشة التقارير السنويّة التي تُقدمها الحكومة. أشدنا سابقاً بكل قرار خرج عن أعضاء «المجلس» وخدم المواطن والدولة، ونشكر لهم مجهوداتهم ولا نبخسهم حقهم، ولكن الأمر المرفوض أن يقف بعض الأعضاء ضد بعضهم البعض في توصيات سابقة كانت من مصلحتنا كمواطنين ومصلحة الدولة النظر فيها سريعاً وعدم تعطيلها، لتعود مرة أخرى إلى مجلس الوزراء للبت فيها، ما يثبت أن القناعات الشخصية أصبحت تتحكم في قرارات وأصوات بعض «الأعضاء» بشكل ملحوظ جدا، وإذا استمرت النتيجة على هذا المنوال ستتغلب «القناعات» الشخصية أيضاً على المصلحة العامة، خاصة وأن كثيرا من التوصيات الهامة رفضت وأسقطت وأجلت من دون أن تربط أهميتها بعملية التطوير الشامل الذي تشهده البلاد، وليس هذا فقط، بل بدأنا نلمس كمواطنين ونحن نترقب مصير بعض التوصيات الهامة بأن هناك حتمية تحزب تحدث في الكواليس لاسقاط أي توصية لا يشعر البعض بالارتياح نحوها، وهذا لا يتعارض فقط مع أهداف الدولة التنظيمية والتطويرية التي تتطلب منا التعاون لتحقيقها، بل يعطلها أيضاً عن إنجاز تلك الأهداف وفق الجدول الزمني المحدد، فلا يمكن أن تتحول دولة بأكملها بحكومتها وأنظمتها وقوانينها وشعبها، ويظل بعض أعضاء مجلس الشورى متمسكين بالرفض والاسقاط والتعطيل الذي كان عنوانا لزمن وانتهى. ومن يدقق في التوصيات التي تم رفضها وإسقاطها وتأجيلها، سيدرك بأن الأمور تقاس داخل «المجلس» بطريقة غير منطقية، لدرجة تخرج فيها العين من محجرها تجاه المنطق الصادم الذي يعتمد عليه بعض الأعضاء في التبرير. فمثلاً بعد أن رفض «المجلس» التوصية التي تطالب وزارة التعليم بافتتاح كليات للتربية البدنية للطالبات بالتنسيق مع الهيئة العامة للرياضة، لتخريج كوادر وطنية رياضية متخصصة ليصبح لدينا معلمات تربية بدنية لمدارس البنات نكتفي بهن عن الاستقدام، برر أحد الأعضاء (طبيب) هذا الرفض، بأن الكليات الرياضية والأقسام الرياضية الحالية في الجامعات والكليات الخاصة بالشباب لم تثبت جدواها على أرض الواقع، فكيف ستحقق الكليات الرياضية النسائية إذا ما قامت أهدافها؟ لو أتى هذا التصريح من شخص بتعليم متوسط لربما قدمنا له العذر، ولكن أن يصدر عن طبيب بتعليم عالٍ.. فهذا حق تبرير كارثي. وليس هذا فقط، بل رفض «المجلس» توصية التوسع في برنامج الفحص الطبي للمُقبلين على الزواج بإدراج فحوص تحليل الإدمان والأمراض النفسية والعقلية والأمراض الوراثية، علماً أن كثيرا من أماكن العمل تطلب فحوصا متقدمة للمخدرات، وندرك أن تأسيس أسرة في هذا الوقت يعد تحدياً يهدف لبناء مجتمع جديد، وبناء أي مجتمع يحتاج التأكد من أن الشركاء المؤسسين أكفاء أسوياء وقادرون على قيادة وتربية أفراد المجتمع الصغار. وعطّل المجلس أيضاً، التوصية التي تطلب دراسة أسباب تأخر تفعيل الأمر السامي رقم (33322) القاضي بالتأكيد على جميع الجهات المعنية ب «عدم مطالبة المرأة بالحصول على موافقة ولي الأمر عند تقديم الخدمات لها أو إنهاء الإجراءات الخاصة بها وسرعة معالجتها»، وكذلك رفض توصية «رفع الحد الأدنى لأجور السعوديين في القطاع الخاص». كما رفض عدد كافٍ لإثارة القلق من الأعضاء تمرير توصية تمنع زواج البنات -أو بالأصح الطفلات- دون سن ال 15، وهذا بحد ذاته يرينا محدودية الوعي العام داخل «المجلس» وحجم التمسك بالتقاليد، من دون إدراك لواقع المجتمع والمرحلة الحالية التي يعيشها، وتم أيضاً إسقاط توصية بتحديد نسبة 30 في المئة للنساء في المجالس البلدية والقروية من دون ربطها بأهداف الدولة الساعية لرفع التمثيل النسائي بالنسبة نفسها في جميع القطاعات. وبين الرفض والاسقاط، تابعنا كيف تم تعطيل توصية «القيادة» و«قانون التحرش» وتأخير إقرار «نظام مكافحة التمييز وبث الكراهية» لأكثر من ثلاث سنوات، والتي أقرتها الدولة مشكورة بعد أن أهدر «المجلس» الكثير من الوقت والفرص الذهبية التي كان من المفترض أن يثبت فيها جدارته وقدرته على فهم أهداف الرؤية وتفاصيلها ومواكبة العديد من التغييرات التنويرية التي فرضها التقدم العلمي للعصر. والأكثر غرابة، أن يجمع عدد كبير من الأعضاء، وصل عددهم ل89 عضوا على فرض «رقابة» على الأعمال الدرامية، في الوقت الذي نتمنى لو أجمعوا فيه على التوصية الهامة التي تم إسقاطها لأنها تطالب بإنشاء سجل يضم أسماء المتحرشين بالأطفال، بهدف منعهم من العمل مستقبلًا في أي مهنة تتيح لهم التعامل مع الأطفال بشكل مباشر، فمن المفترض أن يتم التعامل مع متحرشي الاطفال من باب «المسامح كريم»! وبما أن الدولة تطالب بتحسين ورفع الأداء نوصي بوضع وتحديد معايير تُقيم مهارات العضو المقترح وحجم الوعي بشؤون الدولة، ليكون الاختيار مبنياً على أساس ونتيجة ملموسة، فلا يمكن أن يستمر أداء «بعض» الأعضاء في الدورات القادمة بهذه الحالة نفسها من الانفصال الفكري عن الواقع. نقلا عن الحياة السعودية