إن مما يجب معرفته أن القاضي إذا أصدر حكمه فلا بد من تسبيبه لهذا الحكم حتى يكون الحكم مقنعاً للخصوم ومبني على أسس واضحة من الكتاب والسنَّة, فإن لم يجد بهما ما يسبب به الحكم اُستحسن له أن يسبب الحكم بالأصول العامة للشريعة الإسلامية والتي جمعتها القواعد الفقهية, كتسبيب حكم صادر على رجل أغلق طريقاً عاماً على الناس بفتح الطريق بقاعدة ( الضرر يزال ) مثلاً . كما أن ربط المواد النظامية وخصوصاً نظام المرافعات الشرعية بالقواعد الفقهية, يمنح المحكوم عليه طمأنينة له ورضا, إذا تقرر لديه أن نظام المرافعات الشرعية له علاقة بالقواعد الفقهية التي مبناها على النصوص والأصول العامة للشريعة, وهذا بحد ذاته يعتبر مطلباً مهماً من مطالب ربط الأنظمة بالقواعد الفقهية . وفي ربط الأنظمة بالقواعد الفقهية بيان لما تتمتع به القواعد الفقهية من كونها مواكبة لتطورات العصر الحديث . وفي ربط الأنظمة بالقواعد الفقهية تأصيل للنظام, وهذا يضفي عليه مزيداً من القبول, وسهولة التطبيق. وفي ربط الأنظمة بالقواعد الفقهية خدمة للمحامين وغيرهم, ممن يكتب اللوائح الاعتراضية على الأحكام, بأن يقوم بربط الاعتراض على الحكم بالقواعد الفقهية التي وُضِحت فيها العلاقة بالنظام, وهذا يضفي على اللائحة مزيداً من البيان والإيضاح . وسأقوم بذكر سلسلة من القواعد الفقهية المرتبطة بالباب الحادي عشر من نظام المرافعات الشرعية السعودي الموسوم له بطرق الاعتراض على الأحكام في عدد من المقالات, وسأكتفي بذكر قاعدة فقهية واحدة في كل مقال من هذه السلسلة . وأولى هذه القواعد الفقهية المرتبطة بطرق الاعتراض على الحكم : قاعدة ( تَقَدُّمُ الدَّعْوَى فِي حُقُوقِ العِبَادِ شَرْطُ قَبُولِهَا) المعنى الإجمالي للقاعدة : أن حق العبد لا يملك المطالبة به إلا صاحبه أو من ينوب عنه كالوكيل والوصي والولي, فلا تقبل فيه الدعوى من عامة الناس, ويشترط في حكم القاضي المتعلق بحقوق الناس وفي قبول الشهادة بها تقدم دعوى صاحب الحق أو من ينوب عنه . من أدلة القاعدة : 1- قوله تعالى: { وَمَن قُتِلَ مَظۡلُوما فَقَدۡ جَعَلۡنَا لِوَلِيِّهِۦ سُلۡطَٰنا فَلَا يُسۡرِف فِّي 0لۡقَتۡلِۖ إِنَّهُۥ كَانَ مَنصُورا 33}[الإسراء:33] . ووجه الدلالة : أن الولي هو المستحق للدم, فإن شاء اقتص, وإن شاء عفا, وإن شاء أخذ الدية, وقيل في معنى السلطان في الآية : طلبه حتى يُدفع إليه ,وهذا لا يكون إلا بإرادته وطلبه وتقدم دعوى منه أو من وكيله . 2- عن أبي هريرة -t - أن النبي - r - قال: (مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يُفْدَى وَإِمَّا أَنْ يُقْتَلَ ) رواه البخاري ومسلم. ووجه الدلالة : أن النبي - r - جعل لولي الدم حق العفو أو أخذ الدية أو القصاص , فلا يكون القصاص إلا بطلب ودعوى من ولي الدم أو من وكيله ). 3- الإجماع على أن تقدم الدعوى الصحيحة شرط لنفاذ الحكم . 4- من المعقول : أن القاضي لا يعلم حقوق الناس كما أنه لا يجبر الناس على استيفاء حقوقهم وللناس أن يطالبوا بحقوقهم أو أن يتركوها . المادة النظامية المتعلقة بالقاعدة ووجه العلاقة جاء في مطلع المادة السابعة والسبعون بعد المائة من نظام المرافعات الشرعية :(( لا يجوز أن يعترض على الحكم إلا المحكوم عليه ...)) . وجه العلاقة : صاغ المنظم هذه المادة التي بيّن في مطلعها شرطاً من شروط الاعتراض على الحكم, وهو كون المعترض على الحكم ذا صفة في الاعتراض إما أصالة أو بتوكيل من غيره؛ وهذا ما دلت عليه القاعدة الفقهية من أن حق العبد لا يملك المطالبة به إلا صاحبه أو من ينوب عنه كالوكيل ونحوه . * من التطبيقات الفقهية على القاعدة : إذا ادعى أحد الورثة أن لموروثه دينا على رجل, ومعه بينة, وطلب حصته من الدين, فحكم له بها, فلا يحكم بحصص الورثة الآخرين؛ لأنه حقوق العباد يشترط فيها سبق الدعوى .