صبح إعداد الميزانية من ناحية مؤسساتية وإجرائية مشابها للخطط الخمسية، في ابتعاده عن الحقائق الاقتصادية، وإن كان الاختلاف في الدرجة نظرا لعلاقة الميزانية بأسعار النفط وعلاقتها المباشرة بالمصروفات الجارية. الوقع المؤسساتي والإجرائي لإعداد الميزانية أخذ يبتعد تدريجيا وعلى مدى سنوات عن الاستحقاقات الاقتصادية - إذا عرفنا الاستحقاق الاقتصادي بأنه وضع المملكة على سلم النمو الحقيقي، مدفوعا بتصاعد في الإنتاجية والقيمة المضافة، تحت مظلة اقتصاد هادف، Saudi Inc. أسباب هذه الوضعية مؤسساتية (المنظومة والمنطق التي تنظم وتعد الميزانية) وإجرائية (الخطوات العملية من جمع المعلومات إلى إصدار الميزانية). جوهر الميزانية بين الدول واحد، لكن الاختلاف في مدى منهجية الفكر والممارسة الاقتصادية. الميزانية أحد تجليات وتعبيرات وأدوات إدارة الاقتصاد. في كل الدول الميزانية ميدان للأخذ والعطاء بين الوزارات التي تصرف وبين دور وزارة المالية التي تحاول الحد من الصرف. الوزارات تعكس مصروفاتها الجارية ومشاريعها الاستثمارية ورغبات القائمين عليها، بينما المالية تهتم بما يمكن المحافظة عليه ماليا في المدى "المنظور". الميزانية تعتمد على التوازن في العلاقة بين الوزارات التي تصرف وبين المالية. مثلما أن عليها مواكبة الوضع الاقتصادي لمواجهة تحدياته وفرصه على أكثر من صعيد. بحيث ينفصل الدعم المباشر وغير المباشر وتزايد الهجرة الاقتصادية للمملكة عن واقع العمل، مع استقرار العلاقة بين الاستهلاك والاستثمار، لكي تستطيع الميزانية تحريك دفة الاقتصاد للتعامل مع هذه السمات. لحسن الحظ أن الإدارة لدينا مركزية تاريخيا في اختلاف عن الدول الفيدرالية مثل الهند والمكسيك وأمريكا، ما قلل المخاطر، لذا ينبغي دفع المالية أكثر نحو مركزية الحدث الاقتصادي، مع تفعيل وزارة الاقتصاد في نفس الوقت. وكالة الوزارة للميزانية تقوم -من خلال مديري القطاعات- بالتواصل مع الوزارات والجهات الحكومية الأخرى بنقاش وأخذ وعطاء حتى تصل إلى الميزانية "المناسبة" طبقا لسقف محدد. يبدو أن السقف يتحدد طبقا لمرئيات الوزارة حول أسعار النفط والمشاريع الكبيرة والميزانية السابقة وحجم الدين والرصيد وأي ظروف مستجدة. لتقييم هذه العملية يستحسن الاستناد إلى مرجعية "برنامج المصروفات العامة والمساءلة المالية" الذي أعد من قبل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. هذه المعايير تقسم عملية إعداد الميزانية إلى ثلاثة أجزاء، الأول، قدرة الحكومة على فهم التحديات المالية التي تواجهها؛ الثاني، مدى قدرتها على تطوير خطة مالية متكاملة؛ الثالث، مدى القدرة على تنفيذ الخطة فعليا. قياسا على هذه المعايير هناك فرصة للتحسن في بعضها وبدرجات مختلفة. تحليليا تتكون الميزانية من أربعة أجزاء، الجزء الأول، الأبواب الثابتة مثل الرواتب والصيانة والتشغيل؛ الثاني، الاستثمارات؛ الثالث، الالتزامات غير المذكورة في الميزانية، وهذه الأكثر تعقيدا مثل الدعم المباشر وغير المباشر والتزامات صناديق التقاعد؛ الرابع، الموارد المالية غير النفطية، فمثلا لم تطور الزكاة بما فيه الكفاية ورسم الأراضي (الأفضل العقارات) لم يطرق من هذا الباب، كما أن كثيرا من الخدمات التي تقدمها الحكومة مقابل رسوم لم تحدد تكاليفها مقابل هذه الرسوم. أخيرا أثبتت التجربة أن الدورة النفطية تمتد لسنوات، بينما الميزانية لعام واحد، وبالتالي يصبح تذبذب أسعار النفط سببا في إعداد الميزانية لعام واحد، بينما المنطق يقول إن الدورة النفطية تواكب عدة سنوات. ولتكون الميزانية تعبيرا صريحا عن توجهات اقتصادية مختلفة نوعيا. وطالما أن الدورة النفطية تقريبا خمس سنوات حسب أغلب التوصيات المهنية فقد يكون من المناسب – تبعاً لذلك - أن تكون الميزانية لمدة خمس سنوات أيضا، كما أن المدة الأطول تتعامل مع الاستحقاق الاستثماري في الميزانية. الأهم أن تركز الميزانية على النشاطات الاقتصادية وليس جدولة مصروفات متماثلة في عدة وزارات. فمثلا إحدى الظواهر الجديدة أن الجهات الحكومية أصبحت تأخذ بسلم مكافآت ورواتب مختلفة عن أغلب الجهات الحكومية، وهي بذلك تعتمد على الإقناع أكثر منه أسباب موضوعية. نقلا عن الاقتصادية