يخضع العالم الى الصمت أمام أيديولوجيا التفكير حيث إن هذا العالم الذي يخيل الينا أنه تام المنطقية ما هو إلا ضحية لانعكاس أفكارنا وما اختزلناه عبر القرون والسنين من رسم أبطال ووضع أساطير وإقناع للذات بأن التاريخ يكرر نفسه، وقد عرف ماركس وإنجلز الأيديولوجيا في كتابهما (الأيديولوجيا الألمانية) أنها عبارة عن نظام للأفكار الباطلة التي يمكن اعتبارها ثانوية وغير متصلة بحقيقة ثابتة وأنها مجرد محاولة لتبرير السيطرة الطبقية، فإن الطبقة التي تمثل القوة المادية المسيطرة في المجتمع، هي دائماً، وفي نفس الوقت القوة الفكرية المسيطرة، وعلى ذلك فإن الأيديولوجية هي تشويه للحقائق بقصد تبرير موقف وقد لقبها إنجلز بأنها وعي كاذب وهذا أثر في مجالات كثيرة في حياتنا حيث الثقافة التي تبنت تعظيم شخصيات عاشت في الماضي، واستحضار أساطير. يخرج سؤال ويمد لسانه لي قائلاً: متى نخرج خارج طوق لغتنا اليومية وأفكارنا التافهة المستهلكة؟ هذا العالم الضبابي التوجه والذي أصبح فائق التعقيد يجب أن يغرينا في مواجهته من خلال عالم الافكار المنتجة فهناك يبدو تحالف غير شريف بين عالم الفكر المكرس والمحشود ضد كل شيء منذ الصغر، وبين الحياة غير المنطقية، ربما هي أسطورة الضعف التي تلقيناها والتصقت بعقولنا فلم نعد قادرين على التخلي عن صورة الضعف الذهنية لنا في مجتمع يقوده فكر الثراء المعرفي، وما هذا الا إعلان لهزيمتنا الفكرية وضعفنا النفسي أمام حياة تجذبنا بداخلها كالدوامة، فالحقائق المتغيرة تجبرنا على النزول للواقع فتكثيف حضور الواقع والعيش بداخله ربما ينقذنا من أفكارنا التاريخية، وهو عدم حصر انفسنا في فكرة واحدة، وعدم الاستسلام لكل شيء، فلننبذ أي افكار عائدة من الماضي نبذ النواة، الا يحق لنا ان ننفصل قليلا عن الماضي لنعيش مع انفسنا قليلا، ونتوقف عن الكتابة، عن البحتري والمعري، لنوقف هذه العقلية النازفة نحو الماضي فالعقول ذات الطابع الماضوي الحائر تتشرذم مع اول التفاف نحو الواقع الفعلي ففي ايرلندا كانت تستولي الكنيسة الكاثوليكية على حياة الناس الاجتماعية وتوجهها وجهة دينية أخرت ايرلندا وجعلت الانجليز يستعمرونها ويستغلون ثرواتها، وذلك نتيجة لأدلجة العقول وحصرها في زاوية ضيقة هي العيش في كنف كهنوت الكنيسة ما ادى الى غلق العقول بإحكام، وهذا يقودنا الى النظر للمنظومة الانسانية وهي منظومة متكاملة لا تستطيع العيش في الماضي والغرق فيه، ولا الانشغال عن الحاضر بقضايا الالهاء وإشغال الرأي العام بقشور لا تخدم المجتمع، ولكي نتوازن لابد من ان يتحرر الفكر، فقد انتهت الفلسفات التي تصف حركة التاريخ على أنها تسير نحو سيادة طبقة من الطبقات سواء أكانت البرجوازية أو البروليتاريا أو إلى سيادة جنس من الأجناس أو القوميات. فقد حكم (ليوتار) على كل النظريات العامة في التاريخ بأنها أيديولوجيات إذ هي مجرد صورة زائفة لا تقابلها حقيقة واقعة. ومن هذا المنطلق لابد من ممارسة فلسفة الوعي وزيادة العقلنة الاجتماعية في مجال الأخلاق والقانون وايجاد تنظيمات ديمقراطية وهذا هو التطور الحقيقي الموازي للتطور في قوى الإنتاج. نقلا عن الرياض