تُرى كيف سيكون عام 2011 ؟ يرى البعض أن بؤر التوتر في العالم العربي من لبنان والعراق واليمن وفلسطين سوف تدفع الأمور باتجاه التأزيم وانسداد الأفق السياسي. وأنه سيكون عاما للاضطرابات والتوترات بدليل ما يحدث في تونس حاليا على خلفية أزمة البطالة أو في مصر من جراء نتائج الانتخابات الأخيرة أو محاولة البعض في إثارة تأجيج فتنة داخلية لا سمح الله خاصة بعد العمل الإرهابي في الإسكندرية. إن النظام العربي يشهد تحديا مهولا، يضع مسألة استمراريته على المحك، وإن كانت الصورة النمطية تجاهه سلبية بمعنى أنه لا يُرتجى منه شيئا، إلا أن الضعف بعدم وجود الإرادة السياسية، سهّل للقوى الخارجية من التمدد والاختراق عبر استغلال هذا الضعف وتوظيفه لصالحها. بينما يعتقد البعض أن مسلسل الانفصال والتفتيت في عالمنا العربي قد بدأ فعلا ، وما الاستفتاء حول تقرير المصير في السودان والذي يتوقع نتيجة التصويت عليه أن تكون كاسحة ضد استمرار خيار الوحدة ، فضلا عن التأثير الخارجي في ملفات المنطقة، وتراجع الدور العربي ، وحضور تركيا وإيران في المشهد الإقليمي، ما دفع البعض إلى التأكيد بأن لا حلول للملفات العالقة دون إشراك الدولتين وهو ما يعني ضرورة الانخراط معهما في حوار وشراكة وتعاون من أجل حلحلة القضايا أو إيجاد معالجات توفيقية لها. غير أن تراكمات الأزمات العربية تكشف لنا وبموضوعية، بأن جذر المشكلة يتعلق بأمرين: ضعف المشروع التنموي، وعدم تأسيس دولة المواطنة. وهو ما أدى إلى ظهور هذه المشاكل على السطح، فجاءت على هيئة مظاهرات واصطدامات أو حتى مطالبات بالانفصال والتجزئة والتقسيم. على أن النظام العربي يشهد تحديا مهولا ، يضع مسألة استمراريته على المحك. وان كانت الصورة النمطية تجاهه سلبية بمعنى أنه لا يُرتجى منه شيئا، إلا أن الضعف بعدم وجود الإرادة السياسية، سهّل للقوى الخارجية من التمدد والاختراق عبر استغلال هذا الضعف وتوظيفه لصالحها. ومنذ أن قام صدام حسين باحتلال الكويت، والنظام العربي في حالة انقسام وتدهور حيث تكرّس الخلاف واحتدت لغة القطيعة والإقصاء. وجاء احتلال حزب الله لبيروت لتنفيذ أجندة خارجية، ليعزز انقسام العرب بين محورين أسموهما ممانعة واعتدال، ناهيك عن إخفاقات السياسة الأميركية في المنطقة التي غذّت هذا الانقسام. بيد أن ما يميز بداية هذا العام الجديد، أنه سيشهد حالة انفصال إقليم عن دولته الأم، وهو أمر على وشك الوقوع بعد أيام بشكل رسمي، وهو ما قد يكون مقدمة قانونية لحالات انفصال مماثلة في العالم العربي. غير أن الملفت في انفصال جنوب السودان كحدث يكمن في كونه سابقة لدولة عربية ما بعد مرحلة الاستقلال. وان كان محزنا ومؤلما لكثير من العرب في أن يكون التقسيم هو مصير السودان فإن آخرين يعتبرونه نتيجة طبيعية لعدم تمكن الخرطوم من إرساء المقومات الأساسية لوحدة جاذبة وحقيقية ، وبالتالي فالانفصال هو حق مشروع لأهل الجنوب. وفي ظل هذا المناخ الملبد بدعوات الانفصال ، طالب رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني، بحقِّ تقرير المصير لأكراد العراق، في وقت ينعم فيه الأكراد بحكم ذاتي، وهي وان كانت دعوة قديمة إلا أنها تأتي في لحظات عصيبة يمر فيها العراق، الذي هو بحاجة لكل مكوناته السياسية ووحدة أراضيه ونسيجه المجتمعي. وكانت اتهامات طالت جنوب السودان وكردستان بأنهما ستكونان البوابة التي سيدخل منها الموساد لتمزيق العرب وإضعافهم ، ويبقى هذا رأي لا يحمل الموثوقية والمصداقية حتى الآن على الأقل. كما أن هنالك أصواتا تبعث عن القلق ، فهناك مطالبات باستقلال الصحراء الغربية عن المغرب، فضلا عن انهيار الصومال، ومطالبة الحراك الجنوبي بانفصال جنوب اليمن عن شماله، إلى جانب تمرد الحوثيين في صعدة وخطورة ذلك على وحدة البلاد . أما الصومال البالغ الأهمية، من حيث الموقع الجغرافي والإستراتيجي. فإن الصراعات تتقاذفه منذ أكثر من عقدين، ومهدد بتقسيم قادم لا محالة. وهو يعاني من الفقر والتخلف والفساد، وسكانه يفتقرون لأبسط حاجات العيش، كما انه بفعل التدخل العسكري الأجنبي، تحول إلى ساحة لتصفية الحسابات وملاذ آمن للميليشيات والقراصنة وتنظيم القاعدة . أما الوضع في اليمن، فإنه بحاجة لمعالجة هادئة تُجنبه التقسيم والتفتيت ، ولذا فالمأمول من القيادة اليمنية أن تسعى إلى إشراك الأطراف والقوى السياسية في وضع إستراتيجية الحل ، من أجل بناء دولة مؤسسات يتم من خلالها توسيع وتعزيز مفاهيم المواطنة وسيادة القانون والبدء بمشروع تنموي، يحفظ التوازن بين المركز والأطراف. على أن هناك من يعتقد بأن ثمة مؤامرات يتم إعدادها لتفتيت العالم العربي وتفكيكه، وان الحالة السودانية خير برهان . في حين يرى آخرون أن الدولة التي نشأت ما بعد الاستقلال ما هي سوى هجين دولة ذات عملية قسرية ،أرادها الاستعمار بتلك الصورة لتخدم مصالحه ، فهي لا تستند على رصيد تاريخي وبالتالي فإنه من الطبيعي أن تكون عرضة للتفكك والانهيار. وبغض النظر عن تلك الآراء رغم وجاهتها، فإن ما جرى في السودان، وفي الصومال والعراق واليمن وسواها، يؤكد حقيقة المأزق الذي تواجهه تلك الدول بسبب فشلها في النهوض بواجباتها بدءا بالتنمية الإنسانية العادلة والمتوازنة بين الجميع ،وترسيخ ممارسة ديمقراطية حقيقية تنهض على إطلاق الحريات والتعددية وحماية الحقوق الأساسية . نعم.. كل هذه الملفات وتلك المطالب ، إن أردنا الحقيقة ، ومن زاوية موضوعية، تبقى مقبولة ومبررة لا سيما في ظل غياب مقومات الاندماج الاجتماعي، وعدم بناء دولة تنموية يسودها الدستور والقانون والمواطنة ، ناهيك عن وجود وباء عصبوي مذهبي وطائفي وعرقي وعشائري في نسيج المجتمع. إن المتغيرات والتوجهات التي تحدث في عالمنا العربي، ومنها المطالبة بالانفصال، تكشف وبجلاء هشاشة بنية النظام السياسي العربي، الذي ولّد الشروط الموضوعية للتجزئة والانفصال والتقسيم. لقد تباكى القوميون العرب على قصة الانفصال تلك ،وعادوا بأحلامهم للوحدة العربية الشعاراتية التي لم تعش طويلا، لكن العاطفة والمشاعر شيء، والواقع وحقيقة الأمور شيء آخر. فالمنطق والعقل يقول إنه في عصرنا الراهن وما لم تتغير العقلية السياسية العربية في تعاطيها مع ملفات الداخل، وتتيح للأطياف المتنوعة من أن تعبّر عن نفسها بإشراكها في الهم الوطني ، فإن عوامل الانقسام والفوضى الداخلية سوف تطفو على السطح وما من حيلة لتجاهلها حينئذ، وإن كانت لغة التضليل ستكون حاضرة باتهام الخارج وشماعة المؤامرة والتخوين والعمالة. إلا انه في نهاية المطاف وكما يقال لا يصح إلا الصحيح.