أحداث مصر الأخيرة طرحت سؤالا تقليديا، حول أولويات الإصلاح السياسي في العالم العربي، وعما إذا كان الأمن والأمان أهم من الحرية والديمقراطية. لا نريد أن نكرر بأنه لا يوجد تعارض أو تناقض بين سيادة الديمقراطية كنهج، وتأمين الأمن والانضباط داخل أي مجتمع. التردد الذي مارسه الكثيرون تجاه أحداث مصر الأخيرة مفهوم ومبرر ومتوقع، والموقف الذي اتخذه حتى ألدّ أعداء «الإخوان» ضد استخدام العنف والقوة لفض اعتصامي رابعة العدوية وميدان النهضة، ينبع من مخاوف البعض من عودة العسكر لتصدر المشهد العربي، بعد أن خطت الشعوب العربية خطوة جبارة من ربيع العرب نحو ترسيخ مفاهيم الحرية والحقوق المجتمعية.. وغيرها من الأسس لبناء الدولة المدنية. مشكلة الموقف من أحداث مصر، هي المشكلة ذاتها التي برزت في أحداث العراق من قبل.. وأخيرا أحداث سوريا، فالعرب أصبحوا محكومين بسيناريوهات محددة، إما ديمقراطية وحرية، أو فوضى وغياب للأمن، أو اصطفاف مع متشددي تيار الإسلام السياسي، الذين يتصدرون مشهد الصراع في مصر، ويسيطر بعضهم على جبهة المقاومة في سوريا مع كل ما يمثله هذا التيار من تعارض مع أبسط أولويات المجتمع المدني، أو دعم العسكر والجيش ونهج القوة والعنف في سبيل ترويض طموحات الإسلام السياسي الشاذة. إشكالية الخبز والأمن، أو البندقية والعسكر، تبرز من جديد في أحداث مصر، كما برزت من قبل في أحداث العراق، حين عمت الفوضى، وسالت الدماء، فلا يزال أثر سقوط صدام حسين ونظامه العسكري العنيف قائما، بحيث أصبح الناس أمام خيارين؛ الأمن في ظل قمع وديكتاتورية صدام، أو الحرية مع الفوضى والتفجيرات والدماء. إن حضور النموذج العراقي دائما في كل مرة تحدث فيها أحداث صاخبة في العالم العربي، هو حضور مهدد للتغيير السياسي المطلوب، فانهيار المؤسسة الأمنية للدولة حمل معه انهيارا للدولة بأكملها، ولا داعي لشرح ذلك، فأوضاع العراق تتحدث عن نفسها، لكن هناك جانبا آخر من الرواية لم يُروَ بشكل جيد، وهو أن الدولة ليست مؤسسة أمنية فقط، بل هي منظومة مؤسسات يؤمنها نهج ديمقراطي متكامل وحريات إنسانية ومجتمعية راسخة، ويبقى على العرب وسط حيرتهم اختيار أحد الطريقين؛ طريق الخبز أو طريق الجيش، أن يبحثوا عن طريق ثالث يؤدي بهم إلى دولة مؤسسات حقيقية قائمة على احترام الفرد أولا قبل تأمين أمنه ورغيفه. هذا الطريق الثالث هو الذي سيحفره شباب الربيع العربي في مصر وفي غيرها، والطريق طويل بالطبع، لكنه حقا قد بدأ. * كاتبة كويتية نقلا عن الشرق الاوسط