قضى الشعبان المصريان ليلتهما أمس في إحياء ذكرى العبور إعلاء للهمم وشحنًا للنفوس وإبراء للذمم واستعدادًا لتجاوز أو اقتحام الأسوار! والحق أن عبور العاشر من رمضان العظيم كان مختلفًا تمامًا في كل شيء! بدءًا من الذين عبروا في إباء ونهاية بخط بارليف واستعادة الكبرياء! لقد عبرالمصريون في العاشر من رمضان وهم وحدة واحدة ونسيج واحد بالفعل وليس على طريقة "إيد واحدة، ايد واحدة" التي أفرغت من مضمونها هذه الأيام الحالكة! لقد عبر في العاشر من رمضان كل المصريين من الصعيد والدلتا - من القاهرة والإسكندرية من النوبة والوادي الجديد - من بورسعيد وخط القناة ومن كل فج عميق في أنحاء مصر! في العبور العظيم عبر المسلمون والأقباط والإسلاميون والليبراليون.. فلاحون أطباء ومهندسون.. سوهاجيون وقنائيون نحاتون.. منوفيون شعراء دقهليون وشرقاويون وغرباويون قصاصون ورواة.. في العبور العظيم كان خط بارليف هو التحدي الذي يجمع عليه المصريون.. يذاكرون ويبحثون ويجربون حتى يتجاوزوه وقد كان! فما الذي يحدث الآن؟! ما هو السور الذي يتطلعون إليه؟ سور الاتحادية؟ أم سور الحرس الجمهوري؟ أم سور محمد محمود؟ أم سور لا ظوغلي! في العبور العظيم سقط الشهداء دفاعًا عن الأرض والعرض.. شهداء بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ مع الاحترام الكامل التام لكل الذين سقطوا في التحرير والاتحادية ومحمد محمود ورابعة العدوية وأمام الحرس الجمهوري وبوابة وزارة الداخلية ومديريات الأمن في المحافظات! في العبور العظيم كان الغناء مختلفًا والتكبير مختلفًا، والتهليل مختلفًا، والرقص مختلفًا.. كان السجن مختلفًا وكان الشعب مؤتلفًا.. كان الشعب مختلفًا.. وكانت مصر مختلفة عن تلك التي نراها الآن ورأيناها تثور أمس مستشعرة ساعة أو ساعات العبور! العبور لأين؟ والفداء لمن؟ والجهاد ضد من؟ والحصار لصالح من؟! لقد نسي الجميع البارحة أن الجهاد الذي حق عليهم وهم يعلنون عنه جهاد النفس، والفداء الذي حق عليهم هو فداء الوطن! في العبور الحقيقي العظيم كان العدو ظاهرًا وواضحًا لكنه الآن وبمكر وخبث شديدين استدار للمصريين ففرق شملهم وعدد اتجاهاتهم وأشكالهم! في العبور العظيم كان التحدي الأول والأخير هو صد كيد الأعداء وفي العبور الأخير كان الشعب بل كانت مصر يضيع من عمرها أو عمرها سدى! في العبور العظيم كنت تسمع رجع خرير دمع المصريين كلهم في النيل، وكان الشعب كله قد استيقظ على دهشة المستحيل، وكان الكبرياء على صدره يستطيل، قبل أن تنطلق أهازيج النصر في المصانع والشوارع وفي حنايا الحقول، وقبل أن يصاب العالم كله بالذهول! في العبور العظيم وبعد اتمام المعجزة، كان الاحتفال متواضعًا فيما ينام الشهداء وهم قريرو العين هناك عند نصب الجندي المجهول.. في العبور الآخر كانت اللافتات العراض تتحول تارة للمطالبة بالتحرك لوقف بناء السدود وأخرى للمطالبة بإغلاق الأنفاق والحدود وثالثة للري الدائم بدلًا من ري الحياض كان الهم فاض والغم فاض والدمع فاض، والدم فاض ولم يأت المخاض! هذا عن الشعب الذي كان في أيام العبور الحقيقي العظيم فماذا عن الأمن الذي كان في أيام العبور العظيم مختلفًا.. لغة مختلفة.. ثقافة مختلفة.. وتضيحة بالنفس؟ قارن بين أمن مصر الداخلي في أيام العبور ومواجهة إسرائيل وبين حاله الآن؟! قارن بين حالتي الأمان والهوان! اللصوص الفقراء والمضطرون أيام العبور العظيم توقفوا عن السرقة! طالبو الثأر من قتلة إخوانهم وأشقائهم تنازلوا عنه! في العبور الآن ومع اشتداد الطوفان هناك من يجلسون أو ينخرطون في الدعاء باكتمال الغرق! هذا ليبرالي يرقص وذاك يخرج صدقة.. وهناك من صلى ركعة شكرًا لله!! في التويتات "الموضة" لزعماء الثورة "الموضة" من كل الاتجاهات نداءات واستغاثات ومناشدات للجيش أن ينتصر على "الاحتلال" وللشعب أن "يعبر الاستبداد" فهل هناك هباب أكثر من ذلك؟! احتلال من لمن؟ واستبداد من ضد من؟! وفي خطب الجمعة أمس دعاة كبار سابقون ولاحقون يدعون للجيش "أهل النصر والشجاعة والقوة والعزيمة" أن يعبر الهزيمة ويستعيد العزة والكرامة فهل هناك فتنة أكثر من ذلك؟! أخيراً فإن السيد ألفا عمر كوناري رئيس مالي السابق يحذر في أديس أبابا أمس من مخاطر زيادة العنف في مصر وتأثيره في إفريقيا!! والسيدة انكو سازانا دلاميتي رئيسة مفوضية الاتحاد الإفريقي تعلن تشكيل لجنة من فيستوس موجابي رئيس بوتسوانا السابق، وديليتا محمد ديليتا رئيس وزراء جيبوتي السابق للتعامل مع أزمة مصر فهل هذا يليق؟ نقلا عن المدينة