الحرب في هذا العالم لم تعد حرب طائرة وصاروخ، ولكن حرب استراتيجيات وأفكار، فقد أفرز مجتمع العولمة معادلات معقدة ومتداخلة بحيث أصبحت النظرة إلى المستقبل واحدة من سمات الاهتمام بالتفكير الاستراتيجي، ولم تعد المؤسسات الحكومية هي الجهاز الوحيد المتخصص في إعداد هذا النوع من الاستراتيجيات، خلاف أنه لم يعد بوسعها أصلا الإجابة عن كل القضايا الراهنة والشائكة التي تواجهها في الداخل أو الخارج وبالتالي الاستغناء عن الخبرات المستقلة.في تقرير عن معهد بحوث السياسات الخارجية (جامعة بنسلفانيا) يظهر التقرير المسافة التي تفصلنا عن محيطنا في الشرق الأوسط (ولا أقول العالم) من حيث وجود مراكز للدراسات الإستراتيجية أو ما يسمى اليوم ب «Think Tank» وفقا للتقرير تبلغ هذه المراكز في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (333) مركزا نصيب إسرائيل منها 54 مركزا، وإيران (32) مركزا، وتركيا (27) مركزا، ومصر (34) مركزا، والعراق (30) مركزا، ولبنان (12) مركزا.. إلى آخر القائمة.وتتصدر «مؤسسة كارينجي للشرق الأوسط» في لبنان تراتبية هذه المراكز يليها مركز الخليج للدارسات (الإمارات) ويدخل ضمن القائمة الذهبية التي تحتوي على (25) مركزا ويخلو منها أي اسم سعودي، مراكز مثل معهد دراسات الأمن القومي (إسرائيل) ، والمؤسسة التركية للدراسات (تركيا) ، ومركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية (مصر)، والمعهد الكويتي للدراسات الاستراتيجية (الكويت).. وهكذا. في ظل هذه الطفرة المعرفية وتأسيس الاستراتيجيات الوطنية وفي خضم هذه الصراعات السياسية والمذهبية التي تحيط بنا من كل جانب، لماذا تغيب هذه المراكز، ولماذا نظل نستورد الفكر والمعلومة عن بلادنا من الخارج ونحن قادرون على توفيرها وتوظيفها في الداخل؟.في أمريكا وأوروبا تستخدم مراكز الفكر كخزان للأفكار المتجددة التي تشكل مصدرا رئيسيا لإمداد الحكومات بالخبرات والدراسات الرصينة وعليك أن تتصور ما توفره مؤسسة «راند» في أمريكا أو مؤسسة «آدم سميث» في بريطاينا أو المعهد الفرنسي في فرنسا من دراسات رصينة، تقوم عليها بعض توجهات هذه الدول في الداخل والخارج. نقلا عن عكاظ