هاهي عمان, أحدث دولة تلتحق بركب الصيرفة الإسلامية, تفاجئ الصناعة وتحرج, في نفس الوقت, البنوك المركزية الخليجية بعد أن تبنت شروطا صارمة ومتشددة حول منتجات التورق التي تم تحريمها من مجمع الفقه الإسلامي. فهل تكون هذه الخطوة الجريئة, والقادمة من أعلى سلطة, بداية «الإصلاح» للصناعة؟ وهل يا ترى سنرى اليوم الذي تقتدي فيه البنوك المركزية الخليجية بسلطنة عمان؟ من الرائع جدا أن ترى أحد بنوكنا المركزية يضرب مثالا يحتذى به عندما يتبنى معايير رفيعة المستوى وذلك من أجل تنظيم النشاط المصرفي الإسلامي. من المنتظر أن نسمع انتقادات واسعة من المصرفيين بعمان وهم يتذمرون من لوائح البنك المركزي العماني التي تقول إن التورق غير مسموح به لحاملي الرخص المصرفية الإسلامية في السلطنة كقاعدة عامة. ومن الطبيعي أنهم سيقولون إن هذه اللوائح ما هي إلا تقييد على أنشطة سوق النقد والتي تستخدم لإدارة السيولة وهذا ما قد يؤثر على ربحية البنك. من المحزن جدا أن مصرفيينا المخضرمين لا يزالون يدورونا في فلك منتجات التورق. حتى مبادرات التفكير خارج الصندوق وابتكار منتجات متطورة لا يتم تشجيعها من الإدارات العليا. وعندما تلوح جهة عليا بتحريم منتج معين, تجد هؤلاء المصرفيين يخرجون إلى العلن ليصرحوا بأن الصناعة الإسلامية ستنهار في حالة تحريم منتج ما. وفي العادة تساير الجهات التنظيمية هذه المخاوف ولكنهم في نفس الوقت يشجعون بنوكهم المحلية بطريقة غير مباشرة على عدم ابتكار منتجات جديدة. أفلا يعلمون أن الأزمات تولد «التفكير الابتكاري»؟. وبفضل مهنية العاملين بالبنك المركزي فإنني لا أستغرب أن تفاجئ عمان الصناعة بإصدارها صكوكاً قصيرة الأجل لسد الفجوة المتعلقة بإدارة السيولة لدى بنوكها. ما الذي حصل؟ في الفترة الماضية تداول المصرفيون العمانيون مسودة لوائح قام فيها البنك المركزي باستبعاد أداة تستخدم على نطاق واسع في بعض الدول الأخرى وهي المرابحة السلعية أو التورق المنظم. عندها ضغطت البنوك العمانية على البنك المركزي لإجازة التورق المنظم ولو بشكل مؤقت ريثما يرسخ القطاع أقدامه. لكن لا يبدو أن القواعد الجديدة, التي صدرت مؤخرا, تجيز ذلك إذ تقول إنه لا يجوز استخدام التورق إلا في حالات طارئة بشكل غير متكرر لفترة لا تتجاوز ثلاثة أشهر. وتم تعريف «الحالات الطارئة» في إذا ما أصبحت «استمرارية» البنك في العمل مهدده بشكل خطير. أو في حالة قرر بنك تقليدي التحول نحو بنك إسلامي. ففي هذه الحالة يسمح له ولمرة واحدة فقط أن يستخدم التورق ليحول «محفظته» إلى إسلامية. وكان لافتا كذلك منع إعادة تمويل عمليات التورق أو حتى تغير أسعارها (عبر الزياده في العملية الثانية). الفتوى لكن بعض الفقهاء انتقد التورق المنظم حيث تجري المعاملات مقابل التزام مالي وذلك بدعوى ضعف صلته بأي نشاط اقتصادي حقيقي. وفي أبريل نيسان 2009 أصدر مجمع الفقة الإسلامي الدولي ومقره جدة فتوى تنتقد التورق المنظم بوصفة «تحايلا» ينال من قبوله داخل قطاع التمويل الإسلامي. التورق ثلاثة أنواع. أجاز مجمع الفقه نوعا واحدا خاصا بتمويل الأفراد. وهو شراء شخص (المستورق) سلعة بثمن مؤجل من أجل أن يبيعها نقداً بثمن أقل غالباً إلى غير من اشتُريت منه بقصد الحصول على النقد. النوع الثاني هوالتورق المنظم. وهو شراء المستورق سلعة من الأسواق المحلية أو الدولية أو ما شابهها بثمن مؤجل يتولى البائع (المموّل) ترتيب بيعها، إما بنفسه أو بتوكيل غيره أو بتواطؤ المستورق مع البائع على ذلك، وذلك بثمن حال أقل غالباً. النوع الثالث هو التورق العكسي وهو صورة التورق المنظم نفسها مع كون المستورق هو المؤسسة والممول هو العميل. مجمع الفقه قام بتحريم التورقان (المنظم والعكسي) وذلك لأن فيهما تواطؤاً بين الممول والمستورق، صراحة أو ضمناً أو عرفاً، ووصفه بالتحايل لتحصيل النقد الحاضر بأكثر منه في الذمة وهو ربا. وفي ظني أن البنك المركزي العماني يقصد هذين النوعين من التورق. السؤال الآن ماذا ستفعل بنوكنا لو دارت الأيام وقررت ساما إيقاف التعامل بالتورق المنظم والعكسي؟ نقلا عن الجزيرة