من وجهة نظر شخصية، أعتقد أن الخطأ الأكبر الذي ارتكبته جامعة نورة بنت عبد الرحمن أنها لم تدع الشيخ العلامة الدكتور محمد العريفي لإلقاء محاضرة في إحدى كلياتها مثلما يفعل في الجامعات الخليجية فهذه هي الطريقة الوحيدة كي يبارك الشيخ مسيرة الجامعة هو وأتباعه من الشباب الصالح الذين تابوا عن (التفحيط) في الشوارع، وقرروا الاستفادة من مواهبهم السابقة في إثارة الغبار لخدمة الصحوة الإسلامية!. جامعة نورة تعد بالنسبة لي على الأقل دليلا صارخا على أنه لا يمكن إرضاء المتشددين، حتى لو تم تحقيق كل مطالبهم التعجيزية، فهذه الجامعة هي أكبر مبنى على سطح الأرض مخصص للنساء فقط، حيث صمم كي تدرس فيه قرابة 50 ألف طالبة، بالإضافة إلى الأكاديميات والإداريات وقائدات المترو اللاتي تم تدريبهن في الخارج لحل مشكلة النقل داخل الجامعة العملاقة، وتحوطا من دخول أي رجل إلى قلعة الحريم الأسطورية، فقد تم حفر أنفاق خاصة يدخل منها عمال الصيانة في حال الحاجة إلى إصلاح أنظمة التكييف والنقل والكهرباء!. باختصار، تشكل هذه الجامعة تجسيدا أوليا لحلم المتشددين القديم بإقامة جدار عازل يفصل نساء السعودية عن رجالها، وهو الحلم الذي عبر عنه مسلسل طاش قبل سنوات، من خلال حلقة (سور النساء العظيم)، ولكن رغم التكلفة الباهظة لتحقيق هذا الحلم العجيب لم تسلم الجامعة من تهمة (الاختلاط)، وتطايرت الإشاعات حول دخول رجل ما إلى قلعة النساء الحصينة؛ لذلك لا بد من تركيب صافرة إنذار فوق مبنى الجامعة للتحذير من أي خطر يأتي من خلف الأسوار.. وبالطبع تستثنى حالات (الاختلاط العارض)!. كل هذا يؤكد أن منهج تكبيد البلد عشرات المليارات من أجل تحقيق مطالب المتشددين التعجيزية، مثل بناء مستشفيات وأسواق خاصة بالنساء، ليس إلا طورا من أطوار العبث؛ لأن المسألة لو جاءت على مزاج هؤلاء لما ذهبت النساء إلى المدارس أصلا، لقد فعلوا ذلك خلال إمارة طالبان في أفغانستان، ولن يترددوا في تكرار هذه الصورة المتخلفة متى ما وجدوا الفرصة سانحة لهذا الأمر. هذه ليست مبالغة.. إنها شواهد التاريخ.. ومن لا يصدق شواهد التاريخ عليه أن يتجرع أكاذيب الحاضر حتى يشرق بالحقيقة المرة!. وأخيرا، قد يصعب على من يعيش خارج الحدود السعودية أن يستوعب بأن إنشاء جامعة نورة يعد في المقاييس المحلية خطوة كبرى باتجاه الانفتاح!، ولكن المسألة نسبية.. فالانفتاح يقاس بقدر حجم الانغلاق!. نقلا عن عكاظ