من هو الذي لا يخشى الانترنت اليوم؟ الكل أصبح يخشى الانترنت فهو الذي تعددت وسائله ولكن آثاره واحدة لها نفس النتائج، نفس الرعب، نفس القلق، فهل الانترنت مجرد اختراع تقني أم هو مخترع أخلاقي يمتطى الأحداث ويحولها إلى مشاهد ومناقشات تغير مسار الحياة؟، في كل زاوية من العالم هناك حكاية خاصة بالانترنت هناك أزمة سببها الانترنت هناك جريمة كشفها الانترنت، هناك إصلاح تسبب به الانترنت، هناك إفساد تسبب به..! فمن هو هذا الذي أصبحت ترتجف له القلوب ويخشاه الجميع؟ اليوم يعيش على الأرض قسمان من البشر؛ قسم أنتج هذه التقنية وهو يدرك كيف ستكون آثارها، وقسم يستهلك هذه التقنية وهو يجهل مخاطرها ويستخدمها في أعظم مسارات المعرفة كما يستخدمها في أسفل أودية الجهل هل الانترنت ضمير البشرية القادم أم هو وجهها الآخر..؟ يراقب كل شيء، يكشف كل شيء، له عينان ولسان وآذان يحاسب اجتماعيا ويسوق الأخطاء إلى دواوين المجتمع، يصلح ويفسد في ذات الوقت..؟ أسئلة مقلقة وارتباك كبير، من هذا الذي يقتحم الحياة المجتمعية وينتشر بها بسرعة؟ يقتحم حصون الأسرار التي ظلت عصية طوال السنوات فلم تعد المعلومة ولم تعد الحياة فيها مزيد من الأسرار، فهل سيقضي الانترنت على ظاهرة الكذب، ويمحو التقية وينشر الصدق إجبارا لا خيارا..؟، سؤال محتمل ولكن هل سيخضع البشر لقوة هذه التقنية أم أن البشر سيتحايلون على هذه التقنية ببساطة؟ فالبشرية كلها بانتظار العقود القادمة لأنها ستكون هي مسرح الإجابة على أسئلة كثيرة. لقد أطاح الانترنت برؤساء دول، وكم فقد من مسؤول كبير منصبه في دولته، وطلق رجل زوجته وفضح إنسان صديقه وكشف غموض جريمة وكم سرب الانترنت من وثائق سرية وكم وكم...!، ومع كل هذا سهّل هذا المخترع الجديد بوسائل اتصالاته وبرامجه حياة البشر وجعلها أكثر انسيابية في عنصر التواصل، حيث تحول الانترنت إلى روح جديدة في حياة الشعوب والأمم يستحيل الاستغناء عنها. من هو هذا الانترنت الذي عجزت الفتوى أن تحرّمه أو تجيزه لان أوجهه متلونة؟ هل هو فاسق من الفساق أم مصلح من المصلحين أم هو ضمير البشرية القادم أم هو وجهها الجديد الذي يقدمه لنا القرن الحادي والعشرون..؟، كل هذه الاحتمالات مطروحة وكل الأسئلة متاحة وكل الخطورة محتملة. لن تكون كثرة سلبيات هذه التقنية أو كثرة ايجابياتها مساهمة في فهم سريع ومباشر لما تقدمه هذه التقنية من تحول بشري كبير، فهل يفسر ذلك عجز البشرية عن الإصلاح في ضمائرها هل هناك من سبب بشري لم نتبعه سببا لفهم ما يجري حولنا..؟ ظاهرة الانترنت أعادت بناء فكرة التواصل الاجتماعي ليس بشكلها البسيط وإنما بشكلها المعقد فقد جعلت العالم مفتوحا أمام بعضه فلم يعد هناك حاجة لخزائن الأسرار والمعرفة فعبر هذه التقنية اصبح الإنسان يحمل في جيبه اخطر المعلومات وأحدثها بل يستطيع أن يغير ويعيد تشكيل الحياة بها. على سبيل المثال يكشف (ويكلكس) ملايين الرسائل عبر الانترنت عن اعتى الأسرار السياسية في العالم، ويغير هذا الكشف مسار السرية التي تحيط بالعالم والأقوياء، ومثال آخر يسقط رئيس دولة في اقل من شهر لان الانترنت وعبر منتجاته من قنوات التواصل الاجتماعي رتب لخروج البشر والتظاهر وصولا إلى إسقاط رئيس الدولة في موسم الربيع العربي. هل الانترنت خطر قادم سيدير الحروب السياسية والاقتصادية والاجتماعية أم انه منقذ البشرية من زلاتها..؟ الانترنت سلاح لا يمكن منعه من احد فهو يملكه أكثر البشرية جهلا ويملكه أكثر البشرية علما، ولا احد يستطيع اليوم أن يتوقع ماذا يمكن أن يحدثه هذه القادم من آثار اجتماعية، ولكن المؤكد أننا نعيش عصر الانترنت والتقنية. كل هذه الأسئلة نعرفها جميعا ولن تتوقف هذه التقنية عن الجريان، ولكن ماذا يخبئ المستقبل للبشرية مع هذه التقنية؟ وما هي الخطوة القادمة ومن هم الضحايا..؟، فاليوم يعيش على الأرض قسمان من البشر؛ قسم أنتج هذه التقنية وهو يدرك كيف ستكون آثارها، وقسم يستهلك هذه التقنية وهو يجهل مخاطرها ويستخدمها في أعظم مسارات المعرفة كما يستخدمها في أسفل أودية الجهل. في مجتمعاتنا العربية خصوصا حيث الجهل أكثر من العلم ستحملنا هذه التقنية إلى حيث يريد الجهل بمخاطرها فهي تقنية تكمن خطورتها في أنها تسمح لكل سلبية أن تحدث بقدر سماحها لكل ايجابية لأنها وجه للبشرية يحكمها العلم أو الجهل وكل يستخدمها بمقدار ما يملك من وعي أو جهل. أين سنذهب مع هذه التقنية اجتماعيا وثقافيا..؟ هذا السؤال هو الأخطر وتجاوزه هو الأصعب في شعوب لم تنتج هذه التقنية ولكنها منغمسة في استخدامها دون معرفة بمخاطرها فهي تشبه تعاطي دواء دون وصفة طبية تحدد مواقيته وآثاره. إنه من الجهل أن يعلن مجتمع من المجتمعات الحرب على هذه التقنية لمجرد عجزه عن مواجهتها توعويا، لن يكون الحل بحرب هذه التقنية ولا بالتقليل من قدراتها أو إصدار الفتاوى الاجتماعية أو الثقافية ضدها لان الجميع أدمنها دون استثناء فقد ثبت أن أمواج الانترنت لن تبقي أحدا دون أن تحمله فوق ألسنتها. لقد حان الوقت لتغيير مقررات الحاسب الآلي التي نعلمها لأطفالنا في المدارس إلى مقررات نسميها (الانترنت والتواصل)، مجتمعاتنا بحاجة إلى توعية تبدأ مع الأطفال لأنه لا سبيل أمامنا سوى التكيف مع هذه التقنية وبذل الجهد لتوجيهها لمصلحة المجتمع والاعتراف بقدراتها على تغيير سلوك البشر. كل ما يخشاه المجتمع أن يجد نفسه في مواجهة مشكلات عميقة، عندما يتجاهل عمدا مواجهة ظاهرة التقنية الحديثة بالتوعية لان المجتمع يواجه اليوم آثارا سلبية لقضايا كبرى نحصد آثارها اليوم كنتيجة لتجاهلها تعبث في أروقة المجتمع خلال العقود الماضية، وها نحن اليوم نحصد ثمن تأخر المجتمع عن المشاركة في التوعية في قضايا كبرى اقتصادية واجتماعية وثقافية وأسرية. هل نحن مجتمعات بلا تخطيط في مواجهة تقنية الانترنت ووسائل وجودها في المجتمع ليس بحجبها ولكن من اجل تهيئة الإنسان في مجتمعاتنا للانتقال بسلاسة إلى عصر التقنية الذي يجعله مشتركا مع العالم كله..؟ أم أننا مجتمعات تنتظر النتائج لتستسلم لها، ليس لدينا مبررات للتخاذل في مواجهة تحولاتنا المجتمعية لأننا نملك كل مقومات التخطيط والنجاح فيه وسيكون يوما قاسيا إذا لم نستعد لندرك فيه خطورة إهمالنا لمجتمع بلا تخطيط لمواجهة تقلباتها فكل ما نحتاجه اليوم إستراتيجية للتنمية الاجتماعية والثقافية تقوم عليها مؤسسات الدولة بالتعاون مع القطاع الخاص. نقلا عن الرياض