قال أرسطو منذ أكثر من ألفي عام: "علمتني الفلسفة أن أفعل دون أوامر ما يفعله آخرون خوفا من القانون" هكذا ببساطة؛ يمكن أن ندرك بأن الفلسفة كنشاط فكري من أهم أسباب تنمية الوعي، ولا يمكن استهلاك المعرفة أيا كان مجالها، دون تنمية عملية الفهم والإدراك الذي يكون مفتاحها السؤال لبناء وعي معافى في المجتمع، فأن تعرف كيف تسأل ولماذا ومتى بحثا عن معلومة سليمة غير مضللة؛ هو ما يُمكن من حسن الاختيار للحصول على نتائج سليمة. هكذا يتكون الوعي السياسي، الاجتماعي، الديني، التقني، الحضاري.. التاريخي.. إلخ وكل المجتمعات غير العربية التي تعيش الديموقراطية التي يحلم بها العرب اليوم ويسعون إليها بدمائهم لم تنهض فيها إلا على فكر فلاسفتها ومفكريها الذين واجهوا أول أمرهم نبذا اجتماعيا حين أعلنوا أفكارهم المتمردة ضد تسيس الدين، من أجل بناء مجتمعات تنعم بالحرية والعدالة والمساواة. وثقافة السؤال هي أهم علامات تنمية التفكير، وتؤدي إلى "الوعي" القادر على التفريق بين ما هو وهم "عاطفي" وبين ما هو حقيقة "عقلانية" خاصة في مجتمع كمجتمعنا الخليجي وأيضا المجتمعات العربية من حولنا، أنت يمكنك أن تحكم على مستوى وعي الفرد من خلال طريقة طرحه للسؤال والسبب الذي دعاه لذلك، ولكن مع الأسف الشديد أن ثقافة السؤال تُعد من الثقافات المعطلة في العقل العربي، نتيجة أعراف اجتماعية ترسخت عبر تراكمها أبا عن جد، وتتصف ب"الأبوية / الوصاية" و"الأنوية /المركزية" بجانب "الذكورية/ القمعية" معا، ما أدى إلى أن تتخذ أسلوبا تربويا يعتبر السؤال في المناطق المحرمة اجتماعيا "عيبا" منذ السنوات الأولى في عمر الطفل العربي، لتجعل منه "تابعا" و"هامشا" فيما استمر خمولها بتعطيل وتحريم الفلسفة أو توجيهها في قوالب "الوصاية الدينية" عبر مؤسسات التعليم العربية بحجة أنها سبب في الإلحاد والزندقة، فكان من أهم أسباب تعطيل نمو ثقافة الأسئلة وبالتالي تعطيل تنمية "الوعي" في العقل العربي؛ مقابل شحنه "عاطفيا" ليلتصق بأعرافه وتقاليده التي في غالبها غلفها كثير من الفقهاء بورق سلوفان "ديني" لتسويقه، فيما هي ليست من الدين. إن ما نعيشه اليوم من تأخر حضاري إنساني كعرب مسلمين ما هو إلا نتاج لانتصارنا لأوهام تراكمت بعضها فوق بعض، ولم تنفضها أسئلة "التنوير" لقرون داخل كهف "وهم" يعيش فيه العقل العربي، والذي استطاب الحياة فيه خمولا وخوفا من لسعة الضوء خارج الكهف! ضوء الحرية التي شرعها الله تعالى لهذا الإنسان كي يُعمر الأرض، لكنه يخشاها بحجة أنها ضد الدين أو تتعارض معه أو ستؤدي به لأن يتفلت ويسقط في كنف "الشيطان"، دون أن يعي بأنه حين تنعدم الحرية لا يمكن للعدالة أن تقوم، وحين لا تقوم العدالة فإن المساواة تتحطم، وتبني مكانها أصناما آدمية وعبيدا لها! هذا المأزق يعيشه الإنسان العربي اليوم في ظل طموحه ب"الديمورقرطية"؛ التي يحلم بها العرب وهم "نائمون" ويهابونها وهم "مستيقظون"! لهذا رغم ثوراتهم التي شهدناها مما تم تسميته ب"الربيع العربي" لم يكن في رأيي إلا ربيع بعض الجماعات التي اختطفت الثورات برعاية "أميركية" من شباب تلك المجتمعات، حين اكتسحوا "صناديق" الانتخابات مستغلين الأمية فيها، ولا أقصد فقط أمية القراءة والكتابة، وإن كان "أميّ واحد" كفيل بإفشال المشروع الديمورقرطي، لكن المجتمعات العربية تعاني من "أمية الوعي"، أو"غياب الوعي" في ظلّ علو صوت "العاطفة" وكان ذلك كفيلا بأن تمتلئ صناديق "تلك الجماعات" بأصوات من لم تعِ أن ألذ أعداء الديموقراطية هو حزب يلبس ثوب الدين للحصول على منصب سياسي! لا شك أن من عزز هذا النوع من "الأمية" هو ثقافة التلقي والاستهلاك مع تعطيل منطقة التفكير في العقل والفرز، حتى في تلك المجتمعات التي كانت تُدرس "الفلسفة" لم تُدرسها كطريقة تفكير وبناء بل كتلق! فتعطلت لغة الحوار الذي يقوده السؤال ليحل السماع والصراخ مما نشاهده اليوم في الفضائيات العربية، وكان بعض الفقهاء ممن يتسمون بخمول عقلي وطمع سلطوي لهم نصيب الأسد في ترسيخ هذه "الأميّة "حين حصروا اهتمام الناس بأن التدين يتمثل فيما ترتديه المرأة وما يحجب وجهها وجسدها وشعرها، وأن الشرف يقف على مجرد "عذرية" بات الصينيون يصنعونها ويرسلونها للعرب كما يرسلون بقية السلع الاستهلاكية، ولم ينم الوعي بأن الشرف لا يتحقق إلا بالأخلاق والقيم التي يلتزم بها الرجل والمرأة معا، في ظل وعيهما بحقوقهما من الحرية والعدالة والمساواة كهدية من الله تعالى لتكون طريق التدين العميق! ولهذا كثير من العقول في المجتمعات العربية اليوم باتت أشبه بمُعلبات، تم حشوها مع مادة حافظة "دينيا" بكم هائل من الأوهام التي اكتسبت وجودها من عادات وتقاليد تنتصر لأسطورة خارقة، فتعيد إنتاج الفارس البطل للقبيلة "عنترة بن شداد" من عصر لآخر، بعد خطبة عصماء على منبر جامع، ولا يترددون بعدها بالتصويت له، دون أن يسألوا كيف سيحقق لهم ذلك أو يُدركوا بأنهم بعاطفتهم يحولونه إلى "صنم دكتاتوري"، فالعرب عاطفيون لا عقلانيون! لهذا لم أستغرب أبدا بظل هذه الفوضى اللاعقلانية والتي تفضحها أسئلة العرب "الهزيلة" على برامج الإفتاء ك"هل يجوز أن أبلع ريقي وأنا صائم!؟" أو عبر أحلامهم التي يسعون لتفسيرها هروبا من واقعهم؛ أن نجد بعض العرب في الدول العربية الثائرة كانوا قد ناموا خلال ثوراتها ليحلموا ب"الديموقراطية" وحين استيقظوا وجدوا أنفسهم أمام كابوس "ديموقرادينية" لا يمت لحلمهم بصلة! نقلا عن الوطن السعودية